المُحبيضَة
أو في رثَاء أيام جَميلة طوَاها النّسيان
حسن الرحيبي
كان الضّرݣ سَاتراّ لعيوبنا ..حَاضناً لدَواجننا ، طاعماً ومغذّياً لأطفالنا ومَواشينا ..خلال الجفاف ولما تجبذ الجّبذة لا نجد ما نطعم به المواشي والإبل ، فيبدأ التّݣراض والتّشوَاط ..ونظراً لأشواكه الحادة وكثافته الكبيرة أثناء فصل الرّبيع ، حين تنبت أعشاب الحُرّيݣة الملسَا ، والحُرّيݣة الحرشَا ، وأعشاب يَرني والݣرنينة وخاشّابو أو شوكة حمار الباسقة ..كانت دجَاجات تختفي لمدة طويلة فتيأس امّي حليمة معتقدةً أنها نفقت أو سُرقت أو ضَربتها ترّيقية ..لكنها بعد حَوالي شهر تظهر فجأة ذات صَباح باكر ، والضّباب الكثيف لا زال مخيّماً على فضَاء الدّوّار ، يلفّ البساتين والحقول والقرىٰ المجَاورة ..ويغمرها بسديمه الأبيض السّاحر ..تظهر فجأةً متبوعةً بجيش من الفلاليس الملوّنة الجميلة ، بخط أسود مستقيم يشقّ ظهورها ورؤوسها ..فتبدو متشابهة ، بل متطابقة كأبناء الرّوك(السمّان والخَريف) ، وهي تستدعيهم بنقرَاتها المتوَاصلة .. مبتهجةً لدُخول الخيمة ، منضَافةً لعشرات الطيور التي كنا ننتفع من بَيضها ، حين كان التّبادل العيني le troc يتم بين الجَميع كعُرف وكضَرورة اقتصَادية وتجَارية بين الناس .. وشراء أو تخليص كل شيء بالدّفع بالبَيض :
الطحين الذّهاب عند الحَلاّق شرَاء رَابعة تاعَت السّكّر من عد علي ولد الحسَان ، حُكّ سَرديل أو باكية هناريس ، وحتى الصّابون والتّيد ..كان البيْض مربحاً بالنسبة لأصحَاب الدّكاكين ، مما جعلهم يقتنون سلّات حديدية دائرية الشكل ، جميلة يعلقونها على باب الحَانوت كدليل على أن صَاحبه كيتصَارَف بالبَيض ..
اليوم كل من يتحدّث معي عن البادية ، يتحدّث عن كونها أصبحت كحلا زَحلا ، حَزينة وبئيسة ..وأهلها يتحيّنون الفرص كي يرحَلوا بعيداً طلباً للرّزق ..في نطاق هجرة شبيهة لما حدث أواسط القرن العشرين ، بفعل القحط والجَفاف ورُعونة تسيير مَسؤولين غير مَسؤولين ، من أصحَاب مخطّط المَغرب الأخضَر ، والأزرَق والبرتقالي والمزرݣط ..
الحَاصُول ومَا فيه ، اللّه المتسعَان وصَافي .