آخر الأخبار

المَخزَن مَا هوَ ؟ أو إشكالية العلاقة بين المخزَن والدّولة : أو هَل المَخزَن هُو الدّولة ؟

حسن الرحيبي 

لقد ظهر مفهوم المخزَن في زَمن مَا يسَميه الأوروبيّون بالعصُور الوُسطىٰ le moyen âge التي لا يمكن تطبيقها على تاريخ المغرب الذي كان في ازدهار نسبي في العهد الموَحّدي والمريني والسّعدي على مستوىٰ التعليم ببناء المدارس وجلب الفلاسفة والأطباء والإنصَات لاستشارَاتهم العقلية مثل ابن باجة وابن طفيل وابن رشد الذي طور تصَوره لفلسفة أرسطو والتوفيق بين الدّين والفلسفة بمرّاكش … تحت إشرافهم وتشجيعهم والزهراوي ونفس الشيء فعله المرينيون الذين تطورت في عهدهم نظريات ابن خلدون السّوسيولوجية وإشعاع السّعديين وتوسعهم العسكري والسّياسي والاقتصَادي والصّناعي خاصّة الصّناعة العسكرية وصناعة السّكر …
وقد ارتبط مفهوم المخزن بكونه un dépot لخزن الأسلحة والبارود والخيول والحبوب المحصّلة من الزكوات الوَاجبة وأيضاً بالمطامير والأمراس تحت إشراف ومراقبة الأمناء الذين كان يختارهم السلطان من بين الفقهاء وحفاظ القرآن الكريم ، خرّيجي القرويين والمدَارس العتيقة … لكنها تمَاهَت s’identifie مع أسر وأشخاص تيميزوا بالشرف والقدسية والشّرعية التي يستمدونها من الخلافة الإسلامية والنسب الهاشمي والقرشي خاصّةً بالنسبة للسّعديين والعلويين ، الذين واجهوا خاصّةً إيديولوجيا سبعةُ رجال الأمازيغية باعتبارهم تواصَلوا مباشرةً مع الرّسول الكريم ، دون الحاجة للفتوحات الدينية ، وللأطر المخزَنية ، بابتدَاعهم لفكرة سَبعة رجال مرّاكش ، وبالتالي جعل تفكير المخزن وإيديولوجيته وحده ونظامه هو موضُوع ثقة الناس واعتمادهم الأسَاسي ، رغم شُيوع المبدأ المعروف والشائع المتغلغل في الأوسَاط المَغربية العميقة ، والمُستَمَدّ من تجارب « النّايْبَة » القاسية ، ومْحَلّات السّلاطين حين كانت تجثم على القبائل بكلكلها المَتين من أجل تأديبهم ، والذين كانوا يكتفُون بالاحتمَاء الدّيني :

احنَا مْعاكم باللّه وبالشّرَع !

وَحين كان يُفرَضُ على سُكان البوَادي إطعام وتمويل جُيوش المَخزَن ، أو نهب مَطاميرهم ومَوَاشيهم لتزكية قياد فاسدين وطاغين .. بمَناصبهم بالأقاليم :

ثلاثة لَا ثّيق فيهم : العَافية(النّار) والبحَر والمخزَن ! بعضُهم كان يضيف الجّمل لغدره وشدّة بطشه أحياناً .

فقد ظل المخزَن مُطبقاً للشّريعة على مستوىٰ المعامَلات والأحوَال الشّخصية ، من زواج وطلاق وإرث وتجارة وبناء المسَاجد والسّهر على تسييرها ، وتنظيم الحَرْكات العسكرية لتأديب القبائل وإدخالها لبيت الطاعة … ومع ذلك لم يرقَ مفهوم المخزَن لمستوى الدّولة état لاستمرَاره في التّماهي identification مع الأسر والأشخاص من الطبقة الزراعية الأرستقراطية ، وغياب المؤسّسات المنتخبة ديموقراطياً .. وصُعوبة بل استحالة اختراق بنيته سياسياً من طرف أي كان ، حتى من المنطلقات الدّينية كالجماعات الدينية والطرق الصّوفية والنظام القبَلي والحزبي نفسه ، وانقسَام البلاد لجُزأيْن مُتبَاينيْن بل مُتناقضَيْن :

بْلاد المخزَن وبْلاد السّيبة (كنتَ تحتاج لقطعها إلىٰ زَطّاط)…

مَع مَنهجيته المتّسمة بالمَكر والقوّة والعُنف ..وفي نفس الوَقت بالكرَم والبَذخ والإسرَاف والرّحمة والاعتناء بالرّعية فيما يسمىٰ عند ميكياڤيللّي بسياسَة العصَا والجزَرة le bâton et la carotte . وهذا التّطابق جعل من المُستحيل رُؤية مَغرب بدُون مَخزَن أي دون مختلف الأجهزة التّرَاتبية hiérarchique من أدنىٰ موَاطن ومقدّم حتى أعلى شخص على هرم السلطة …والتي تبسط سلطة المخزَن وقدسيته وكرمه في كل أوصَال البلاد وثقافتها الشّعبية وترَاثها العريق … ممّا يجعل الجَميع يؤمن بمكر وقوّة وقدسية وضَرورة المخزَن للبلاد والعباد في نفس الوَقت … رغم تقلب المزاج المخزني في التاريخ عبر ممثليه ووكلائه وأمنائه وتماهي أشخاصهم مع شخصية المخزن المركزي حين كانوا ينسبون ظلمهم ومكرهم بأن هذا الشيء بغاه الّله والمخزَن لفَعلنا ذاك الزّين . أو أرّرّرّا سير زيد اللّي ݣالها المخزَن هي اللّي كاينة ! أو كما قال المَرحوم الحسن الثّاني للممَثلة ثريا جبران سَاخراً : دَبّري لرَاسَك مع المخزن ، منّكي ليه ! أي أنه جهاز معقد ومتشابك بوعي الناس وثقافتهم ، حاكمين ومَحكومين .. يتجاوز سلطة الجميع بما في ذلك المَلك نفسه !
ورغم ما يمثله هذا من أمن واستقرَار واستمرَارية فقد شكل عائقاً حقيقياً أمام تحديث أجهزة ومؤسّسات البلاد ونقلها إلى المُستوىٰ الدّيموقراطي كما شكل البرُوتوكول والكرم المخزَني الأسطوري عَائقاً أمام التراكم الاقتصَادي للرأسمال البدَائي le capital primitif حسَب التّصَور المَاركسي(البذخ والوَلاء والرّيع السّياسي والمَحسُوبية والزّبونية ، والحسابات التي تتجاوز أية محاسبة رغم الشّعارات ..حسَب المَرحُوم جسّوس) ، وهو مَا أرادَت بعضُ الأحزَاب ذات المرجعية الدينية مرَاجعته ومناقشته عند انطلاق الدّستور الجديد سنة 2011 …
لكن إيجابية المخزَن تبدو وَاضحة وبديهية ولا غبار عليها .. بالنسبة لوَحدَة المَغرب واستمرَاريته وإشعاعه الحضَاري والتاريخي الحَالي وشرعيته الدّينية والسّياسية ، واستمرَارية تواجده على شكل بيعة allégeance في عُنق الجَميع ، من خلال استحالة تعويضه بنظام آخر نظراً للترسّخ اللّاشعوري في أذهان الناس مما أفشل حركات تمرد قبلية كثورة بوحمارة في الشرق المغربي …وأيضاً حرَكات صُوفية ودينية لبست لبوساً سياسياً تمثلت في زوايا صُوفية مثل الزاوية الدّلائية ، وكحركة الجهاد الصّوفية أيضاً التي تبناها أحمَد الهيبة الوافد من الصّحراء المغربية(هذا يجب استخدامه كدليل قوي على مَغربية الصّحراء ، وتبادل السلطة والشرعية الدينية بين الشمال والجنوب) والجامع لقياد الجنوب رافضاً لتوقيع وثيقة الاستعمار من طرف السّلطان عبد الحفيظ سنة 1912 . ورفض الناس لاحتلاله مدينة مراكش وترحيبهم بالاستعمار الذي تماهىٰ بدوره مع السّلطة الدينية للمخزَن حين اختفىٰ وراءه لتطبيق سياسته بوَاسطة ظهائر سلطانية مع تعيين زعماء الطوَائف الصّوفية على رأس إدارة القبائل والدوَاوير والفخدات ، لمنع ظهور أية قطيعة سوسيولوجية ، بين المغرب القديم ومغرب الحماية..والإشاعة لإسلام ليوطي Lyautey وفرانكو Franco لمكرهما ودهائهمَا العميق وفهمهما الجيّد للذّهنية المغربية المتفرّدة particulière .. كما عَيّن الحافظ السّلفي أبا شُعيب الدّكالي وزيراً للعدل والمعارف حين اعتبره أحد النجباء الذين يمكن أن يعتمد عليهم المخزن الجديد لتطبيق تصَوّره للسّلطة والدّولة المحمية le protectorat .. كما استنتج عبد اللّه العروي حول جذور الاستعمار بالمغرب الحَديث .
وتَغنّي نسَاء الشّعب بالمَخزَن منذ السّلطان الحسَن الأوّل :

آلعاوْد المَربُوط والرّبيع ݣُدّامُه
مُولاَي الحسَن اللّه يزيد في ايّامُه !

هذا هوَ عيدنا
اللّه ينصَر سيدنا !

مَليكنا وَاحد
مُحمّد السّادس ..

مَلحُوظة : لا بدّ أيضاً من ذكر فشَل الانقلابات العسكرية حين بلغت القلوب الحَناجر ، ووَصَل السّيل الزّبىٰ ..ونَفي محمّد الخَامس(أسطورَة ظهور صُورة محمد الخامس على سطح القمر وانقضَاء البنزين بالطائرَة الذي كان على وشك النّفاد بسبب مؤامرة الكُفّار ، وتمرير التّسبيح على ال réservoir (ليزروَال كما كان يذكر الزّجّال الزّوَان خلال فوَاصل توقف ولد النمس بݣيطون الشّياخ في بدَاية السّتينات جَنب مَسجد دوّار الصّدَيݣات العتيق) رَغم عدم وجوده (ليزروَال )دَاخل مقصُورَة الرّكّاب !

دَوّز عليه التّسبيح
وفَاض عليه ليصَانص من كلّ الجّيهْ !

يقول زوَان بجَلاّبته الخشنة من نوع سَارݣة الحمرَاء وسُحنته البدَوية السّمرَاء ، وَجسمه الضّخم التّخين ..

وخَاصّةً مُعجزة الطائرَة الملكية سنة 1972 رَغم قصفها من طرف أربع طائرَات..) وتولية ابن عرَفة بدُون أية نتيجة سوىٰ ازديَاد الوَعي الوَطني ، وخرُوج الخوَنَة من منطقة الظّلّ إلىٰ العَلَن ، وابتعاد بقعة الزّيت للسّفينة الإيرَانية التي اعتُقد بتَعمّد انقلابها بسَبب العدَاء الإيرَاني والإيديولوجي الشّيعي ، ابتعادها عَن الشّوَاطيء المَغربية غَرب الوَليدية حيث مزَارع les huîtres واللّميعة والبُوزرُوݣ الطّبيعي ، وخيرَات الوَلجَة الدّافقة ، وسيرها نحو عُمق البحر غرباً في اتّجاه جزيرة مَاضيرَا والآصُور Açores وشوَاطيء كندَا وأمريكا .. لأن الرّياح جرت بما اشتهىٰ المخزَن العريق والأصيل ، تحت أنظار ودَعوَات الطُّلبة المتحمّسين والمُنجذبين بتأثير وسحر آيَات وسوَر القرآن الكريم عام 1989… واستغرَاب الصّحافة الدّولية لبرَكَة المخزَن النافذة التي لا شكّ فيها .. واللّي مَا تَمشي مَا تجي مع مثل هذه المصَائب ، واقتناعهم بأن كلّ ذلك رَاجع لبرَكة المَخزَن وقدسيته وليس لمجرّد الصّدفة والدّهَاء السّياسي والظرُوف السّائدَة …وخاصّةً رُؤيَة المَخزَن السّديدة والمُتبَصّرة والمُتيَقّظة bienveillante باستعمال مُسَاعدَة المَلك السّعودي فهد السّخية لمكافحَة تلوّث السّفينة الإيرَانية (50 مَليون دولاَر مَا يجمَعها عَا الفُمّ لم تُصرَف ) وتمّ تَحويلها لبناء أرقىٰ الجَامعات العالمية الحَديثة ، بمَدينة إفرَان الجَميلة والعزيزة على قلب المَخزَن الكبير : جَامعة الأخَوَيْن (المَرحُومَان الحسَن الثّاني وفَهد بن عَبد العَزيز ) !

ويضيف الصّديق محمد خدمي مشكوراً :

كلمة المخزن كانت متداولة مند ايام الموحدين ،، لكنها اخدت مفهومها الحالي مباشرة بعد معركة واد المخازن ، و هذا الواد لم يكن يسمى هكذا قبل المعركة ، بعدها بنيت مخازن لجمع الغنائم الكثيرة التي حصَل عليها المغاربة و بدا توزيعها بالعدل على المقاتلين و تعويض أسر الشهداء في عين المكان ، و هده العملية طبعها التوزيع العادل و إرضَاء الناس نزولاً عند حرص المنصُور الذّهبي على ذلك ، لانه كان خائفاً جداً من سخط هؤلاء و كلهم متطوعون ،، تلك العملية دامت عدة أشهر و انتهت في مراكش و اقترن فيها كلمة المخزن بالعدل ،، عندك شي حق تاخذه ، كاين المخزن و الحمد لله ،، و بعد مرور السنة انحرفت إلى ما نعرف اليَوم ..