في المغرب، المقالع ليست مجرد أوراش لاستخراج الرمال والطين والحصى، بل تحولت إلى خزائن مفتوحة للريع والنهب. ثروات طبيعية تُستغل ليل نهار، وملايير تضيع على خزينة الدولة، بينما الجماعات الترابية التي كان يفترض أن تستفيد من هذه المداخيل تعيش على فتات. الحقيقة الصادمة أن المقالع عندنا صارت عنواناً للفوضى وواجهة لتواطؤ المنتخبين مع لوبيات الشركات.
القانون 27.13 الذي وُضع لتنظيم القطاع صار مجرد حبر على ورق. فالشركات الكبرى تتفنن في استغلال الثغرات، مرة عبر تراخيص مؤقتة تتحول إلى رخص دائمة، ومرة أخرى باستغلال مقالع عشوائية لا وجود لها في أي سجل رسمي. والنتيجة واضحة: موارد منهوبة، بيئة مدمرة، ومؤسسات صامتة.
المقالع العشوائية وحدها تكفي لفضح حجم الاستهتار. أراضٍ زراعية تُجرف، مساحات طبيعية تُشوَّه، فرشات مائية تتلوث، ثم تُترك الحفر والخراب وراءها دون أي إعادة تأهيل. وما يزيد الطين بلة أن بعض هذه المقالع تُستغل لتغذية صفقات عمومية كبرى في الطرق والبنيات التحتية، ما يعني أن المال العام يمول مشاريع بمواد منهوبة من ثروات الشعب.
المسؤولية هنا واضحة ولا تحتمل الغموض. هناك منتخبون يغضون الطرف مقابل مصالح شخصية، وهناك إدارات بطيئة في المساطر لتسهيل الاستغلال غير القانوني، وهناك شركات جشعة تعتبر ثروات البلاد غنيمة خاصة. أما المواطن البسيط، فلا يرى من هذه الملايير سوى الغبار المتطاير والطرقات المتشققة.
التحقيقات التي أطلقتها وزارة الداخلية خطوة مهمة، لكنها تظل بلا قيمة إذا لم تُفضِ إلى محاسبة حقيقية. فالمغاربة تعبوا من لجان التفتيش التي تُسلط الأضواء لأسابيع ثم تختفي النتائج في دهاليز الصمت. المطلوب اليوم ليس فقط افتحاص الملفات، بل جرّ كل المتورطين، مهما كانت مناصبهم أو نفوذهم، إلى المحاكم.
إن المقالع في المغرب ليست قضية موارد طبيعية فقط، بل قضية عدالة وشفافية. فإما أن تتحول إلى رافعة للتنمية وتمويل المشاريع العمومية، أو تبقى خزّاناً للريع يُغني الأقلية على حساب الأغلبية. السؤال الحاسم: هل لدى من بيدهم القرار الجرأة لقطع شريان الفساد هذا؟ أم أن المقالع ستبقى رمزاً صارخاً لنهب الثروات في وضح النهار؟