آخر الأخبار

المجَاذيب : حركة بنعزّوز بمرّاكش نموذجاً

المجَاذيب : حركة بنعزّوز بمرّاكش نموذجاً ..
أو الظلم ظلمَات …

حسن الرحيبي 

ظاهرة عرفها المغرب في القرن السادس عشر ، كردّ فعل على ضعف الدولة وتفككها ، من خلال صراعات على السلطة ، بين أبناء الملوك ، مما أدى إلى تمزيق الدولة ، واستغلال الإسبان والبرتغاليين ، ضعف الجسم ونقص مناعته ، ليستولوا على سبتة ومليلية ، وسائر الثغور على سواحل المحيط الأطلسي . من طنجة وأصيلة والعرائش وأنفا وأزمور والجديدة وآسفي وأغادير ……. فأصبح المجاذيب والصوفية يجوبون الأسواق والطرق هائمين على أوجههم ، وسائحين ، رَافضين لقيم المجتمع القائمة على الإنتهازية والإستكان ، ورفض الجهاد . فكانوا يأكلون الصّابون والصّبار ويرقصُون عليه بأقدامهم الحافية ، أو يشقّون رؤوس بعضهم البعض بالسواطير كما تفعل طائفة حمادشة ذات الخلفية الشيعية التّطبيرية . ويردّدون كلاماً غير مفهوم . يتنبأون من خلاله بالمستقبل . كما ظهر زهاد في خلاوي بحرية أو جبلية ، منقطعين عن الحياة العامة . وفي نفس الوقت ظهرت طرُق صوفية غريبة . مثل هدّاوة وحمادشة وعيساوة . ينجذبون بفعل الموسيقى الإيقاعية ليصلوا للجذب la transe. أي يفقدون الوعي . ويمتلكون حينها قدرات تبدو للناس خارقة كأكل الزجاج أو الأشواك الحادة أو الأفاعي أو شرب الماء شديد السّخونة . وهذه ظواهر شائعة في العالم كله . ويفسّرها فرويد Freud باللّاشعور والخروج من الزمان والمكان والوجود الفيزيائي الطبيعي …
كما التحق بهم وصدّقهم كل من يعاني ظروف القهر والإضطهاد والرفض . والثورة على قيم المجتمع . بعضهم كان يتمرغ في المزابل أثناء تأدية الناس لصلاة الجمعة . كما كان شأن حركة بنعزّوز في مراكش في القرن التاسع عشر . بسبب الإحباط واليأس من تخاذل المسلمين ، وابتعادهم عن تطبيق الشريعة الإسلامية ، وسيادة الظلم والجهل في المجتمع . الذي كان هو نفسه ضَحيته بسوق السّمّارين كتاجر تعرّضَ للنّصب دون ينصفه القضَاء ، فأخذ كل يوم جمعة يحل بجامع لفنا حيث كانت الزبّالة متبوعاً بجَحافل من مريديه يتمرّغون فوق الأزبال أثناء أداء صَلاَة الجمعة بجامع الكتُبية مندّدين بالجور والظلم رغم ممارسة الصّلاة التي لم تنههم عن شيء مما هم فيه .. كمثل الذين يُراؤون ويمنَعون الماعون ! إلى أن جاء الاستعمار فحسم الموقف لصَالحه نظراً لضعف الدولة ، وانشغال بعض السّلاطين باللعب واللهو . وتبديد أموال الدولة ومجهودها .
ومن أشهر المجَاذيب ، سيدي عبد الرّحمان المجذوب . الذي عُرف بكلامه الموزون، المليء حكماً بعد أن اختبر المجتمع وظروفه ونفاقه . ويئس من إمكانية إصلاحه وشفائه !

حسَن الرّحيبي..