آخر الأخبار

القمة العربية بالجزائر: و ما فائدة القمم في هذا الزمن ؟

إدريس الاندلسي 

جلس وزراء العرب في قاعة سجلت الكثير من الإجتماعات على مدى أكثر من سبعين عاما. مقر الجامعة العربية الموجود بأقصى ركن في ميدان التحرير بالقاهرة يشكل جزءا من العمران الجميل القريب من بحر النيل. غنت أم كلثوم نشيد الجامعة العربية في بداياتها و غنت معها أفئدة كانت تحلم في زمن صعب. كان القرار العربي في يد الإنجليز و الفرنسيين و أتباع الثورة العربية الكبرى و من يديرون مخرجات اتفاقيات سايس بيكو التي كانت سلاحا فتاكا لا زال يرخي بظلاله إلى اليوم.

و لكن الجامعة العربية مكنت رغم كل الظروف من كسر كثير من الحدود التي بنتها الأنظمة الإستعمارية. خلال فترة الأربعينات لجأ الكثير من معارضي الإستعمار الفرنسي و الانجليزي و الإيطالي و الإسباني إلى القاهرة حيث وجدوا الوسيلة للدفاع عن اوطانهم من خلال صوت العرب كإذاعة كانت تصل إلى كل مكان في العالم.

و مضى الزمن سريعا و تحولت جامعة الدول العربية إلى مؤسسة تاريخية حاملة لذكريات جلها ذو طابع خطابي وكثير منها مرتبط بتجاذبات بين الخليج و دول حملت خطاب القومية و أخرى لا زالت لم تفك عقدة التركة الإستعمارية. و تواصل الإحتفال بمناسبة أو بدون مناسبة و لكن البلاغات الصادرة بعد القمم العربية تمت صياغتها بكثير من البلاغة التي كانت تغطي على واقع مأساوي توجته هزيمة 1967 . و بعد ذلك توالت القمم تحت شعارات تراقصت بين جبهة رفض و تصدي و توافق حول إيجاد صيغ لقبول حلول كانت مرفوضة بالنسبة للقضية الفلسطينية و أصبحت مقبولة من طرف الجميع بعد قمتي فاس التي حرص الحسن الثاني على ادارتهما بشكل فيه الكثير من الذكاء الدبلوماسي. و بعد وصلنا إلى غزة و اريحا أولا. ثم وقف قطار السلام و استعادت الحرب غير المتوازنة دورها لتبدد حلم حل مقبول بقدس تحمل صفة العاصمتين شرقية و غربية. و لا زال الحال على ما هو عليه قبل و بعد اغتيال ياسر عرفات.

حكومتين فلسطينيتين و حكومات إسرائيلية و تراجع لتأثير نخب المناضلين في واقع اليوم الفلسطيني و العربي عامة. هجم الغرب على العراق و ليبيا و تزحزحت أنظمة لم تكن تعرف معنى للمواطنة إلا في الإعلانات. ولكن ما سمي بالربيع العربي أعطى نفسا جديدا لكثير من الأنظمة التي قصمت ظهر من عارضوها بعد أن انتهت فترة النوايا الحسنة.

و خلال كل هذه التحولات ظلت الجامعة بنيانا شامخا مطلا على النيل العظيم. لكنها أصبحت منظمة عادية تبحث عن وسائل تمويلها و تسعى إلى استمرار إدارتها و المنظمات الملحقة بها. أصبحت مجالسها في كافة المجالات و منها مجلس وزراء الخارجية و المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و مجلس وزراء الداخلية و مجلس التنسيق بين مؤسسات العمل العربي المشترك مجرد روتين مؤسساتي مكلف ماديا و عديم التأثير. و أصبحت التمثيلية في الجامعة العربية و مؤسساتها تقتصر على الصف الثاني من المسؤولين و تحولت توصيات اللجان إلى مشاريع قرارات موغلة في التفاصيل لا أثر لها على الواقع العربي. واقع أزمات سياسية و عسكرية و اقتصادية بين الدول العربية هو الحقيقة التي يصعب أن تغطيها بلاغات و خطابات. ولكن استمرارية اجتماعات الجامعة على صعيد وزراء الخارجية و

الحرص على التغلب على صعوبات عقد القمم التي تجمع رؤساء الدول ظلتا أهم بند شكلي يشغل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. و يظل الشكل أهم من المضمون و تظل النزاعات قائمة و الأخوة العربية سرابا و القضية الفلسطينية رهينة إلى أجل غير مسمى. و يظل المهم هو عقد قمة قبل نهاية السنة في الجزائر أو في القاهرة و المعلوم هو أن القمة ستكون فرصة لتأكيد المواقف و زيادة التناقضات بين دول الجامعة العربية. قمة الجزائر لا هدف لها الا خدمة صورة من يتحكمون في هذا البلد. نظم اجتماع مجلس الجامعة بالأمس و أكد كل بلد على مواقفه. و نشرت أخبار على أن وزير خارجية الجزائر سيزور المغرب لتسليم دعوة رسمية لجلالة الملك لحضور القمة. و سيلتزم هذا الوزير بما نطق به في إعلانه قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب و سد الأجواء و سينقل عبر طائرة غير جزائرية و دون أن يدخل الأجواء المغربية مباشرة دعوة “رسمية ” لمؤتمر لا حق له، حسب الدولة المضيفة، للنظر في العلاقات الثنائية بين البلدين.

إنها قمة الغباء السياسي و قمة للاستهلاك السياسي و قمة لن تزيد إلا سوءا. سوريا لن تحضر و قد عبرت عن ذلك رغم الرغبة الأكيدة للجزائر في أن تكون حاضرة رغم قرارات جامعة الدول العربية. و بالطبع ستعمل الدولة المضيفة على تجاوز الجامعة لتجدد الدعوة لأعداء الوحدة الترابية للمغرب. و بالطبع سيخلق هذا السلوك ردود فعل و نقاشات ساخنة و سينتهي الأمر برفع الجلسات و قد يصدر بلاغ في النهاية عن ضرورة دعم وحدة الصف و التضامن مع فلسطين و شجب ما يتعرض له من انتهاكات جسيمة. و لهذا تم التأكيد في كلمة وزير الخارجية ناصر بوريطة على الإلتزام بالمسؤولية “بعيدا عن كل حسابات الضيقة أو منطق متجاوز”. الأمر إذن في ملعب مستضيف القمة و الرسالة التي تم التأكيد عليها من طرف مجلس الجامعة أوضح. و لكن العسكر و خدامه سيكون له رأي آخر.

لن تتفق الدول العربية على زيادة حجم التجارة البينية و لا عن سياسة لمضاعفة الجهد الإستثماري و لا عن سياسة في مجال البحث العلمي. هذه العلاقات و هذه المجالات تتقوى و تتكثف مع الغرب و لا تحتاج إلى مؤتمرات قمة. الدولة المضيفة للقمة تفقر شعبها و تتسلح بكثافة لا من أجل الدفاع عن الحدود و لا عن فلسطين و لكن لمعاداة بلد جار لم يقبل بالحدود الموروثة عن الإستعمار و الذي نهبت أراضيه لفائدة توسيع حضور فرنسا بالجزائر. هل يحتاج قادة الدول العربية إلى قمة في هذه الظروف. الأمر خطير و محير لمن يتابعون ما يقع في اليمن و فلسطين و سوريا و العراق و ليبيا و على كثير من نقط الحدود بين دول عربية. الجزائر تسخر كل جهودها لكي تعقد قمة نونبر و يمكن أن تعقد و تتمخض كالجبل الذي تمخض فولد فأرا.