آخر الأخبار

القضية الفلسطينية

القضية الفلسطينية راسخة في قلوبنا وفي وعينا ولا وعينا ولها الحضور الضروري في نظرتنا للمنطقة العربية وللخريطة العالمية وضمنهما وطننا، ومالم يوجد الحل المناسب لها الذي يرضي الشعب الفلسطيني ويرجع اليه حقوقه الوطنية المغتصبة من طرف الاحتلال الصهيوني، فانها ستظل في مكانها ومكانتها بالنسبة لنا وستستمر في تحريك ردود فعلنا العقلانية واللاعقلانية. هذا مالايحتاج الى تاكيد او تقديم برهان من البراهين.
لكن، ولنناقش الامر بهدوء كي لا ننحرف الى متاهات، تبقى القضية الفلسطينية اولا وقبل كل شئ قضية وطنية للشعب الفلسطيني، وامتدادا قضية عربية واسلامية وانسانية من باب التضامن مع شعب ومن باب الرمزيات الدينية (القدس وبيت لحم وغيرها)، واستعمالها واستغلالها خارج هذا النطاق من طرف القوميين ثم الاسلاميين هو الذي اجاز اصناف من الوصاية والاصطفاف الايديولوجي كانت نتيجتها شق الصف الفلسطيني وتشتيته في الوقت الذي كان فيه في حاجة الى حركة تحرر وطني موحدة في اطار منظمة التحرير الفلسطينية لخوض معارك سياسية استراتيجية وتاكتيكية بعدما ادى العمل الفدائي دوره في احياء القضية وضمان حضورها عربيا واسلاميا وعالميا، وكانت نتيجتها ايضا ان تم استغلال القضية من طرف جماعات الاسلام السياسي لادخال العالم العربي على الخصوص في ازمات خطيرة تهدد وجود الكثير من الاوطان والدول على خريطة العالم او تجعل عددا من دوله تتدهور وتنتهي دولا فاشلة كما حصل في الصومال، وفي السودان التي قسمت، وفي ليبيا واليمن وسوريا والعراق…الخ.
بناء على ماسبق اصل الى القول بان قضيتنا الوطنية الاولى هي قضية وحدتنا الترابية ووجودنا الوطني المرتبط بها الان وغذا، وتسبق في سلم اولوياتنا كوطن وشعب ودولة ماعداها من القضايا التي تنال تضامننا، بما فيها القضية الفلسطينية المترسخة في الوجدان والعقل كما سلفت الاشارة، ونحن في معركة دائمة من تعزيزها واستكمالها بالوسائل المتاحة لنا، سواء على الارض او في الساحة القارية والدولية حيث لايتوقف الخصوم عن تعبئة كل امكانياتهم للوصول الى غايتهم الاساسية المتمثلة في قطع ارجل المغرب وحشره في الزاوية الضيقة بدوافع هيمنية موروثة عن الاستعمار وامراض نفسية تفسر كثيرا من حماقاتهم التي قادتهم الى الفشل، ونحن ايضا لانتوقف عن تعبئة امكانياتنا للتصدي لمناوراتهم وخططهم يحركنا فقط هدف وطني وحرص على مصلحة وطنية بعيدا عن اي رغبة في الحاق اي ادى بالجيران او غيرهم. وفي معارك وطنية من هذا الحجم وبهذه الابعاد ذات الصلة بالوجود والمصير قد نجد انفسنا امام اختيارات قد لا تكون كليامع مواقف ومبادئ نعتبرها راسخة، وقد نجد انفسنا مضطرين لعقد صفقات او تحالفات على مضض، وقد نجد انفسنا في اوضاع مختلفة غير مالوفة ومعقدة، لربح تلك المعارك، ونحن لسنا الاولين ولن نكون الاخيرين الذين نضطر لذلك. والربح الذي حققناه اليوم باعتراف الولايات المتحدة بسيادتنا على اقاليمنا الجنوبية ربح استراتيجي وكبير، خصوصا وانه تجاوز الموقف السياسي واصبحت له قوة القانون بالنسبة للديبلوماسية الامريكية، و كل شئ، واعتبارا للعلاقات التاريخية المغربية الامريكية،ثؤكد ان اي رئيس امريكي لن يقدم على تغييره، لانه في النهاية ياتي في امتداد تطور الموقف الامريكي من قضيتنا الوطنية. ومادام الامر يتعلق بموقف قوة عظمى، لها وزن خاص في ميزان العلاقات الدولية، فان اثاره ستكون كبيرة وذات اهمية مستقبلا على الصعيد العالمي، ويمكن لنا ان نتصور حجم صدمة الخصوم اليوم، لان كل ما قاموا به مؤخرا انتهى الى نتائج غير تلك التي تصوروها وهم يعبثون ببلاهة.
خلاصة القول ان للقضية الفسطينية مكانتها لدينا التي لايمكن لاحد ان ينتزعها او ينزعها، لكن القضية الوطنية، قضية وحدتنا الترابية تسبق وتحظى بالاولوية، ولا يمكن لنا ان نضحي بها ارضاء لمواقف هوياتية سابحة في الفراغ لم تفد القضية الفلسطينية في شئ او بشئ ولن تفيدها في المرحلة التي دخلتها. نحن في سنة 2020 وفي زمن كوفيد ولسنا في ستينات او سبعينات او ثمانينات القرن الماضي، و من المؤكد ان ما يجري في العالم سيفضي الى نشوء براديغمات جديدة، لان المشاكل والاشكاليات والمفاهيم الجديدة التي تؤدي الى نشوئها تتطور بسرعة، ولن يكون ممكنا غذا التعامل مع العالم، الذي يتقوى فيه موقع العلم والتكنولوجيات الجديدة، بانماط تفكير قديمة ومتقادمة وردود افعال تحركها اللاعقلانية والنزعات الغريزية التي كانت وراء كل الافلاسات والهزائم التي جعلت القضية الفلسطينية تصل الى ما وصلت اليه اليوم.
لنحذر ان يستغل الخصوم، ومن يساندونهم صراحة او ضمنا، تاجيج ردود الفعل الهوياتية المتضخمة التي يمكن ان تقود الى الكفر بالوطن. و البين اليوم ان ابواق الجزائر والانفصاليين تحاول ان تجعل الجميع ينسى الاعتراف الامريكي بسيادة المغرب على اقاليمه الجنوبية الهام والاستراتيجي بتوجيه الانظار نحو تطبيع ليس فيه جديد الا اعادة فتح مكتب الاتصال في النهاية.
محمد نجيب كومينة / الرباط