آخر الأخبار

الفساد المغربي: علنية اللعن وسرية الطمع

في كل مرة يعلو فيها النقاش حول الفساد، ترتفع الأصوات مطالبةً بالمحاسبة والصرامة، وكأننا نعيش في بلد غريب عنا، أو أن هذا الفساد هبط من السماء فجأة. لكن السؤال الحقيقي الذي يجب أن نواجه به أنفسنا هو: هل نحن فعلا نريد محاربة الفساد؟ أم أننا، في أعماقنا، نبحث فقط عن حصتنا منه؟

الفساد ليس مجرد مسؤول مرتشٍ أو مقاول محتال. الفساد منظومة تبدأ من أبسط تفاصيل حياتنا اليومية: من المواطن الذي يدفع رشوة صغيرة لتسريع ورقة إدارية، إلى الموظف الذي يغض الطرف مقابل “قهوة”، وصولا إلى الصفقات الكبرى التي تُقسم كالغنائم بين الكبار. كلنا، بشكل مباشر أو غير مباشر، نساهم في إبقائه حيا.

المفارقة أن أغلبنا يشجب الفساد علانية، لكنه لا يتردد في تبريره حين يجد نفسه مستفيدا منه. نلعن “المحسوبية” في الخطابات والمقاهي، ثم نبحث عن “معرفة” صغيرة لقضاء مصلحة شخصية. نندد بالرشوة، لكننا نعتبرها “مصاريف ضرورية” إذا كان في الأمر منفعة. هذا التناقض هو ما يجعل معركة الفساد في بلادنا أشبه بمسرحية طويلة: نصرخ في العلن، ونساوم في الخفاء.

محاربة الفساد الحقيقية لا تبدأ من الشعارات ولا من لجان التحقيق، بل من استعداد المجتمع لقبول قواعد صارمة تطبق على الجميع بلا استثناء. أن نقبل بالانتظار في الصف مثل الآخرين، أن نرفض “تسبيق المصلحة” حتى لو كانت صغيرة، أن نربي أبناءنا على أن الحقوق تُنتزع بالقانون لا بالوساطة.

المشكلة أن كثيرا من الناس لا يريدون نظاما نظيفا، بل يريدون نظاما فاسدا فقط حين لا يملكون مفاتيحه. وحين يحصلون على حصتهم، يصبح الصمت أبلغ من أي خطاب.

لذلك، قبل أن نرفع شعار “محاربة الفساد”، علينا أن نسأل أنفسنا بصدق: هل نريد فعلا القضاء عليه، أم أننا نحلم فقط بيوم يصل فيه دورنا على المائدة؟