آخر الأخبار

الفراقشية يكتسحون التجارة و السياحة و السياسة

إدريس الأندلسي

لا زال الفراقشية ينهلون من صدر الوطن دون الالتفاف إلى أن هذا الصدر حق للجميع. تعودوا على الوصول إلى مراكز القرار مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. امتلكوا الكراسي أو ساعدوا بيادقهم على السيطرة عليها، و من ثم فتحوا قنوات الوصول إلى الإستفادة من المال العام بمبالغ تتجاوز سنويا 600 مليار درهم , و استفادوا من عقارات الوطن، ومن خيرات بحار الوطن، و من مقالع الوطن دون أن يعطوا شيئا للوطن . يعود تاريخ واقع يومنا ليسجل رجوع حليمة إلى عادتها القديمة. رحل إدريس البصري إلى دار البقاء، و لا زال الموالون له، من غير أبناءه من صلبه، حاضرون بيننا، و يصرون على أن ” ينغصوا ” علينا حاضرنا، و يعبثون بكل الوسائل التي يمكن أن نبني بها مستقبلنا. اشتد الصراع على احتلال المواقع بكل الوسائل. و تنوع الخطاب السياساوي دون أن يفتقد بوصلة تشير إلى شمال جغرافي و إجتماعي مذر للثروات، و إلى تبني خطابات تشرعن الاغتناء غير المشروع ، و تشيطن كل الأصوات التي تحب الوطن و مؤسساته، و لا تطالب إلا بتنزيل مبادئ الدستور المتعلقة بالعدالة الإجتماعية و المجالية، و ربط المسؤولية بالمحاسبة، و إستقلال السلطة القضائية، و الحفاظ على دور المجتمع المدني، و السعي إلى تنظيف البلاد ممن يحاربون وحدتها عبر تسلطهم، و الزج بالديمقراطية إلى أسواق إستغلال الفقر لصنع الأغلبيات في المؤسسات المنتخبة. صحيح جدا على أن البينة على من ادعي، و لكن سد الطريق على الجمعيات للترافع في ملفات الفساد يقفل كل الأبواب على الولوج إلى المعلومة التي تدعم البينة. ماذا فعلنا بمئات الآلاف من التصريح بالممتلكات، و ماذا فعلنا لكي نحاسب لكل من ظهرت عليه معالم الاغتناء غير المشروع. و تزيد قدرة الفاسدين على إنتاج خطاب يدعو إلى اعتبار من يحارب الفساد ناقما عن الوطن، و خائنا يريد تدمير مسار ديمقراطي. الديمقراطية يا خريجي مدارس ” الفراقشية” تقتضي المحاسبة و القدرة على الجواب على سؤال: ” من أين لك هذا؟” . الديمقراطية الحقة هي التي تضع الشفافية في صلب تدبير الشأن العام. يمكن لكل مواطن أوروبي أن يطلع على ممتلكات و حسابات المسؤول السياسي عبر بوابة مفتوحة للجميع.
و هكذا يستمر تطوير شبكات إفساد المجتمع و السياسة و الإقتصاد، و يستمر معها ظهور كائنات تكاد تنفي الانتماء للوطن عن كل من يفضح أسس وجودها. و لكل ما سبق لا يمكن قراءة ” ثقافة التفرقيش” عن اقتصاد الريع، و عن تفشي الرشوة، و عن الاغتناء غير المشروع، و عن اضعاف المؤسسات التمثيلية، و عن صنع الاغلبيات، و عن ضعف المنافسة في كثير من القطاعات الاقتصادية، و بالأخص عن كفر المواطن بأهمية كثير من المؤسسات و على رأسها مؤسسة الانتخابات.
و سيظل يومنا مدلهما في وجود من يغتنون بمجرد احتلالهم لمواقع التسلط على المواطن. هؤلاء المفسدون لا يخيفهم مراقب و لا يعتقدون أن وقت تنزيل المحاسبة الدستورية قد حان. هؤلاء يعتبرون أنفسهم أقوياء، و فوق كل القوانين و المؤسسات. تتوسع املاكهم و تنتفخ حساباتهم البنكية ، و يصل بعضهم إلى الحضيض بعد حكم قضاءي، و يظل جلهم يعتلي منابر الخطاب البرلماني و الجهوي و الجماعي. و يظلون ممن يعتبرون أنفسهم من المنعم عليهم بحصانة لا تقاوم. استبشر المواطنون قبل شهور بتنزيل الأحكام القضائية، بعد سنين من التقاضي، و لا زالوا ينتظرون حماية المغرب ممن يشكلون خطرا على سمعته، و على مؤسساته. و يجدون في قيادات احزابهم حماية كبرى، إلى حين اقترابهم من منطقة الأخطار المؤدية إلى السجن .
حدث قبل شهور قليلة أن وقفنا جميعا على فضيحة صرف ملايير من الدراهم كان محورها ” الخروف ” . يظل هذا الأخير ضحية ” الفراقشية” الكبار رغم أنه كان ، ربما، يتمنى أن يكون أضحية لا يتدخل فيها المضاربون، و الغشاشون، و ناهبو المال العام. و أكد زعيم سياسي من التحالف الحكومي أن هناك اقلية استغلت مالا عاما كبيرا دون أن يكون لهذا الاستغلال أثر على سعر اللحوم الحمراء. و سيظل هؤلاء السماسرة المدعمون سياسيا هم الذين يتحكمون في أسواق الخضر و الفواكه و الأسماك. كذبه بعض حلفاءه باستحياء، و أستمر الحرص على أن يحتفظ كل محظوظ بحظوة لدى الدولة إلى أجل كان معلوما.
يبالغ المنتفعون من أموال التغطية الإجتماعية من الخيرات” التي عمت” الفقراء من خلال تنزيل مشروع إستراتيجي كبير. و ينسون أن حكومتهم كانت ضعيفة أمام لوبيات نفخ الأسعار في مجالات التغطية الصحية، و المواد الغذائية و الطاقية، و حتي لوازم الدراسة. تجاوز مستوى التضخم 20%. و وجب التذكير بأن منهجية قياس إرتفاع الأسعار و كذلك البطالة تخضع لمؤشرات لا تفرق بين تكلفة التغذية و بين تكلفة اقتناء تجهيزات أو عقارات، و لا تميز كذلك بين الفقير و الغني، و تحاول أن تميز، دون تركيز ،بين المدينة و القرية ، و بين الجهات، فلا تنجح في إعطاء صورة حقيقية عن التفاوتات الإجتماعية و المجالية. استفاد الفراقشية من أموال العقار عبر التسهيلات و المنح. و الأمر تعلق بالآلف الهكتارات و ملايير الدراهم. و الأمر تعلق بمنح سخية ذهبت إلى ” منتخبين من الاصفياء” في مجالات الصيد في أعالي البحار، و السياحة ، و الفلاحة ( عبر المغرب الأخضر و جيله الذي تلون بالأخضر)، و أخيرا بإعادة بناء منظومة المنح السخية للإستثمار. و يستمر سخاء المتحكمين في المال العام في غياب منظومة متابعة و تقييم و محاسبة.
و سيظل صوت المواطن المعبر عن معاناته أكثر صدقا من أي خطاب سياساوي. و قد وصل الفراقشية إلى القطاع السياحي الداخلي. و قد لاحظ جميع المتابعين تهافت، كثير من مقدمي خدمات لطالبي السياحة الداخلية، على المشاركة في معركة أسعار تهم السكن، و المطاعم و السفر و استغلال الشواطئ بعنف نابع من عضلاتهم، و عنف أسعار يفرضونها على من غامر باقترابه من الشاطئ. و أصبحت وجبة في مطعم مغربي تتجاوز مرات كثيرة وجبة في بلدان شمال البحر المتوسط. و يؤكد من زار البرتغال و إسبانيا أن الأسعار بعيدة جدا عن شمال المغرب و جنوبها.
تحول الشناقة إلى مسيطرين على العقار، و الثروة الحيوانية، و المواد الطاقية و علي خيرات البحار بدعم حكومي كريم، و في غياب إجراءات تحمي المال العام، و تحاسب من استفاد منه بدون وجه حق. سيستمر الشناقة في دأبهم للسيطرة على كل القطاعات. و سيجدون في الفقر و الهشاشة، و غياب متابعة المسؤولين و محاسبتهم، تلك الأرض الخصبة لتنويع مواقع سيطرتهم على أرزاق المواطنين، و على المال العام، و على تدبير الشأن العام. و قد و صلت وقاحة بعضهم إلى الصراخ بأعلى ما أوتي من طاقة، أن على الدولة ” تتريك ” ( أي سحب كل ممتلكات و حسابات) الفاسدين، و قال هذا في الوقت الذي، انتفخت اوداجه، للهجوم على جمعيات المجتمع المدني ،ذات الصدقية، التي تواجه الفساد.
ستقدم الأحزاب تصوراتها لتنظيم الانتخابات المقبلة قبل نهاية شهر غشت لوزير الداخلية. و قد تلح على الحياد الإيجابي للإدارة خلال الانتخابات، و تتبع عمليات بيع التزكيات، و تمويل الحملات الانتخابية، و تفعيل منع مجرمي الشأن العام من الترشح، و كل الآمال لضمان حصول الوطن على نواب يشرفون. سكنني هذا الحلم منذ سنين، لكنني افقت على كابوس يزعجني طيلة سنوات. برلمان مليء بالأميين و بمن تمت تنحيتهم بحكم من المجلس الدستوري، و بمن سجنوا بسبب تهم تتعلق باختلاس المال العام، أو الاستيلاء على أراضي سلالية أو جماعية أو ارتكاب جرائم. و لكن كل هذا المشهد البئيس لن يخلق واقعا جديدا. أصبحت أحزاب بلادنا لا تؤمن بالكفاءة و النزاهة ، و لكنها تؤمن بمن له القدرة على تجييش ” الحياحة” ، و ملئ صندوق الحزب بالأموال، و بالتالي إزاحة ” المناضل” و المؤمن المغفل بتاريخه و نضاله. و سيظل العمل الرقابي للمجلس الأعلى للحسابات ينكب على تبرير الحسابات فقط. أما خفايا العملية الانتخابية فلا يعلمها إلا الراسخون في ثقافة ” الفراقشية” . و قد تأتى لهؤلاء جبروت ” الشبيحة” في السيطرة على سير الحملات الانتخابية. و لا يمكن أن ننسى تلك الجماعات التي كانت تمنع بعض الأحزاب من القيام بحملاتها . و قد تعرضت أحزاب اليسار، و حزب العدالة و التنمية، و أحزاب أخرى لمضايقات عديدة لكي يتم عزلها. قد لا أكون متفقا مع هذه الأحزاب، و لكنني لن أتفق على ما تعرضت له من مضايقات. و لا زالت صور تبين ما تعرض له عبد الله بوانو من عنف أثناء انتخابات 2021، و صمد. و أصبح هذا الطبيب من أكبر الكفاءات البرلمانية في بلادنا بجانب النائبتين اليساريتين التامني و منيب، بالإضافة إلى نجلة شباط، صاحبة الاختصار القوي. يضاف إلى هؤلاء إدريس السنتيسي، الحركي ، صاحب اللغة البسيطة و العميقة نقدا، و عبد الرحيم شهيد الذي يحاول رفع صوت معارضة اتحاديه . و رغم محاولات المعارضة الرسمية، ظل الشارع المغربي هو حامل الرسائل إلى الدولة في ظل ضعف أغلبية حكومية، غياب انسجام حكومي حول تقييم صريح لإنجاز وعود البرنامج الحكومي. و ستظل قوة الفراقشية علامة ظاهرة في سنوات تحالف حكومي بني على الوعود، و ركب على صهوة مشاريع ملكية، و أنتج أضعف مؤشرات الحكامة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. قرر الفراقشية أن يعادوا مجالس المنافسة ومحاربة الرشوة و المجلس الإجتماعي و الإقتصادي و البيئي ، و كل من يخالفهم قراءة الإحصائيات و إعطاء الرأي في تدبير الشأن النقدي و المالي و الماكرواقصادية. يجب القضاء على الفراقشية في كل القطاعات، و في ذلك حماية للوطن.