الفخّ صَديق الطّفولة

حسن الرحيبي

كم نصبناكَ في براري مّودنَان وضَايَة الرّحبي وبُورجيلاَت الشّاسعة . وفي بساتين سي المصطفى وجنان سي علي وجنان الحاج ومرتفعات مزّورݣة . نذهب جحافل من الأطفال متسلّحين بمجموعة وافرة منك . ومن دود “حنبازة” الصّبور لحرارة تُربة لفحتها شمس غشت القائظة . يراها طائر غرّ قادم توّاً من أوروبّا طامعاً في دود المغرب الّلذيذ والسمين . يلمحها تتلوّىٰ متبخترة . بيضاء شامخة كالهلال في ليلة البدر . أصناف من الطيُور الجميلة وقد اختلفت أشكالها وألوانها وطبائعها : بوذويل صَاحب الذّيل الطويل . وسهل الانقياد نحو حتفه تحت وابل من المدائح المنوّهة بسيرته الجميلة وأخلاقه الطيبة : واسرّت وسير آسي بُوذويل ! مالك مقلّق آسي لاَمين ؟ دودة السّاحل آسي بوذويل ! ݣدّ لمكاحل آسي لاَمين . يقصد بسهولة الّلغم المنصُوب له . وسرعان ما تنطلق كومة من الغبار تجعل المتربصين يهرعون بسرعة نحو المكان الموعود . لنحصُل على طائر اكتنز شحماً ولحماً .
أما حصَيوّة والزرّيع فلهما طرق أخرى للقنص لكثرة عددهما وضخامة أسرابهما عندما تطير تحجب الشّمس . لم تعد اليوم موجودةً بفعل السموم والأدوية التي تُرشّ في الحقول . وأيضاً بسبب ضَيق المكان حين أصبحت جلّ الأراضي مسقية . نرجع في المساء وقد غنم كل واحد منا أكثر من 30 عصفوراً . يفرح والدي حين نكلّفه باقتسام الغنيمة على الجميع بالتساوي .
نقضي الصّيف كلّه في القنص والرّعي إلى أن تُعلن رياح الغرب الإيذان بحلول فصل الخريف . حين تتساقط أوراق كروم التّين . كما تتهاوى تباعاً حبّات الكرموص الهندي . وتظهر ذبابات زرقاء متثاقلة ومترنّحة بفعل كثرة ما تناولت من عنب نخرته دبابير الصّيف الصّفراء ! فنتذكّر دفاترنا لنجد فأرةً وقد اتّخذت منها عشاً دافئاً لأبنائها الصّغار . ننفضُ عنها غبار الشّهور الماضية . فنتجه نحو المدرسة لنلتقي أطفال كل الدواوير المجاورة . كما نلتقي اختي الزّاهية وبلّحسن بائع البيض . ومجموعة من المعلمين الوَافدين من خريبݣة وواد زمّ يُضحون براحتهم في سبيل تلقيننا اللغة الفرنسية والحساب والعربية .. بعد أن تكون طيور أوروبا قد رحلت نحو الشمال بعد أن كبّدناها خسائر فادحة في الأروَاح والعتاد : حمّر القزيبة وعبيد الّله بوجنيّح وبوصرَندل وقامح والربيّب والعسيْكري وحمرة العنيݣ وغيرها من العصَافير التي انقرضت الآن ..