آخر الأخبار

العمارات العمودية: صعود في البناء… سقوط في الروابط

لم يعد السكن في المغرب مجرد جدران تؤوي العائلة، بل أصبح مرآة لتحولات عميقة في البنية الاجتماعية. من “الدار” التقليدية، حيث الفناء رمز للتقاسم والدفء الجماعي، انتقلنا إلى شقق متراصة داخل عمارات، قد تجمع المئات دون أن تخلق بينهم رابطة حقيقية.

الإحصائيات الأخيرة تؤكد هذا التحول: ما يقارب ثلثي المغاربة باتوا يسكنون في شقق عمودية، بعدما كان النموذج السائد هو المنزل الفردي. غير أن هذا الانتقال السريع لم تُواكبه ثقافة جديدة للعيش المشترك. فـ”السانديك” الذي يُفترض أن يرمز إلى المسؤولية الجماعية، يتحول في كثير من الأحيان إلى مصدر نزاع، والمصعد والإنارة المشتركة تصبح عبئاً بدل أن تكون فضاءً للتعاون.

المفارقة الكبرى تكمن في أن العمارة الحديثة لم تُنتج حداثة اجتماعية. في “الإقامات المسوّرة”، تنغلق الأسر على نفسها خلف أبواب فولاذية وكاميرات مراقبة، وكأنها تحتمي من المجتمع عوض أن تنخرط فيه. أما في الأحياء الشعبية المكتظة، حيث تتكدس الأسر في شقق ضيقة، فالعلاقات تقتصر غالباً على تبادل تحية أو “بونجور” عابر، قبل أن يُغلق كل فرد بابه على عالمه الخاص.

هذا الانكماش الاجتماعي يكشف عن أزمة أعمق: الحداثة العمرانية تسير بسرعة فائقة، لكن السلوكيات ما تزال عالقة بين نموذج قديم يحتضر ونموذج جديد لم يولد بعد. الفردانية تطغى، التضامن يتلاشى، والعيش المشترك يتحول إلى تعايش بارد.

إن الحديث عن أزمة السكن في المغرب لا يقتصر على غياب العرض أو غلاء الأسعار، بل يتجاوز ذلك إلى سؤال مركزي: أي مجتمع نريد أن نبني داخل هذه العمارات؟ هل نريدها مجرد جدران صامتة تحبس الأفراد، أم فضاءات تُعيد إحياء قيم التضامن والاندماج التي ميّزت البيت المغربي التقليدي؟