آخر الأخبار

الطفل المتوحش

حسن الرحيبي

الطّفْل المُتوحّش : L’enfant sauvage أو سذاجة نظرية حَيّ بن يقظان :

وقدْ وُجد في إحْدى الغابات الفرنسية سنة 1797 ، وسُلّم لأحد العُلماء لدراسته وتدْريبه ، وهو غاسْبار إيطار Gaspard Itard ، إذْ كان يمْشي على أرْبع ، كما لوحظ أنّه لا يسْتجيبُ للْأصوات ، فاعْتُبر أصمّاً أبْكم ،sourd – muet ، وهذا غيْر صحيح ، لأن الطّفل إذا نشأ في غيْر المُجتمع ، لا يعملُ دماغُه بطريقة الثقافة ، بلْ بطريقة الطّبيعة والغرائز les instincts ، فيسْتجيبُ لظواهر الطبيعة مثل الرّعد والبرق والحرارة ، أما الثقافة فتقومُ أساساً على اللّغة ،ممّا يجعل الدّماغ يُقسم منْطقة الصّوْت aire de broca في الجانب الأمامي الأيْسر ، ومنْطقة التّفكير أوْ المفاهيم في الجانب الأيْمن ، فيسْتجيبُ بذلك للْمقاطع الصّوْتية بالمعاني المُلائمة ، أما إذا كان أبْكماً ، فيتلقّى المعْلومات بالإشارات وليَس بالأصوات ، أيْ أنّ الإشارة تُعْطي المعْنى بشكْل جاهز وكُلّي ، وليس بترْكيب الأصْوات وتمفْصْلها articulation ، مثل لغة قانون السّير ، فالإشارة تُعطي معنى كلياً مثل : انْتباه وُجود مُنْحدر أو حيوانات ، وتُسمّى رسوماً دالّة des idéogrammes ، مثل اللّغة الهيروغليفية والصّينية . ولها باحة خاصّة بها خارجة عنْ منْطقة الأصْوات . لذلك فقصص مشْهورة مثل ماوْكلي ، وحيّ بن يقظان لابن طُفيل لا يُمكنُ أن تكونَ صحيحة ، أي نشْأة طفْل مع الحيوان ، ثمّ التّوصل إلى وُجود الله ومعْرفته ، وكلّ هذا غير مُمْكن ، لأنّ منْ نشأَ مع الحيوان سيعملُ دماغُه بطريقة الحيوان ، ممّا يعني خُلوّه منْ باحة بروكا ، فضْلاً عنْ باحة المعاني الأخْلاقية ، الموْجودة في مُقدّمة الدّماغ ، أيْ إعطاء اللّفظ أو الإشارة معْنى أخلاقياً : لفْظ نابٍ أو غير مُلائم للذّوق ….. وهذا لا يُمْكن تعلّمه إلّا في المُجْتمع ! ونفس الشّيء بالنسبة للجِهات : يمين يسار خلـف تحت فوْق ، كُلّها معاني منَ الثقافة ، وليْس من الطّبيعة . وكذلك النّغم la mélodie ، فإذا كانتْ ثقافة مُعيّنة ، تعتبرُ الأصوات الإيقاعية rythmé ، نغَماً يتعرّف عليه الدّماغُ كنغم ، وإذا اعْتبرتٓه ضجيجاً un bruit ، يتعرّفُ عليْه كضجيج خارج منطقة النّغم ، مثل الرّوك بالنّسبة للْعرب التّقْليديين ، أوْ الموسيقى الشّعبية المغربية التي تُدركها ثقافات أخرى كضجيج يُصدّع الدّماغ ! ونفس الشّيْء بالنّسْبة للإنْتصاب على قدميـن bipédité ، فهوَ منَ الثّقافة ، أيْ مُكْتَسبة وليستْ فِطْرية ، منَ الطّبيعة ، وهوَ ما مكّنَ الإنْسان منْ تحْرير أطْرافه العُليا وتحويلها إلى يديْن ، أدّتْ إلى ضبط الحركات الذّهنية الجسدية ومُلاءمتها مع حاجات الدّماغ العقـلية la psychomotricité .ففي الغابة يبقى الطفل يسيرُ على أربع لأنّ الإنتصاب يتعلّمهُ في المُجـتمع !

فالإنْسان إنْسان بالثّقافة la culture والمُجتمع la société ، وليْس بالتّكْوين البيولوجي وعدد الكْروموزومات ، فخارج المُجتمع يبْقى الإنْسانُ حيواناً : غياب اللّغة ، غياب الأخلاق ، غياب المعاني ، أي التّعامُل مع أشياء ، وليس معاني !