حسن الرحيبي
كانت الخَيرات ، وكانت تُحݣُن الشكوة عدة مرات في اليوم ، ممّا جعل الكلاب تعاف وتمجّ اللّبن ، وتصنع لنا امّي حليمَة سرَر الكليلَة ، نأخذها للجّامع ، والتي أصبح يسمّيها اليوم أصحاب مرجان وكارفور الجّبَن ، أما الزبدة والسّمن فحدّث ولا حرج ، كان يخصّص أكثر من يوم لطبخ الزعتر وملء القصَاع بالسّمْن والملح ، قبل تحويلها للقدور الطينية وسدّها بتراب بيّاضة ، وإلصاقها بالأرض لتظل في جوّ من البرودة والاعتدال ، باش يدزيوا بها العار ، وتروّح بها قصَاع الكسكس بأنواعه طول السّنة، عندما كانت الأمطار غزيرة والحقول والرّوابي خصبة ومعطاءة ..
ألبان بنسائم الأقحوان والجّمرة والكركاز ومذاقها ولونها ، تجعل أهل المدينة يستعجلون العطل وانتهاز كل فرصة للعودة للبلاد للعبّ من خيراتها وألبانها ، ومن لم تتيسر لهم العودة ينتظرون كُبّاطة صَباح يوم الأحد للفوز بشكوة بنَخضتها كاملة صاينة لا زالت تتركّل ، يسلمها برودو أو ولد الشّتوكية للمنتظرين بلهفة لريحة لبلاد أو الدوار ، وفي المساء يعيدون الشّكوة مع بعض السكر والصّابون والفانيد للعيال ، وتحتية جديدة من ثوب البَايْتَة للوالدة وعصَابة وبلغة للوالد …
اليوم البوادي تكاد تعصف بها ظروف الجفاف ، وقلة الماء وانحباس المطر لسنوات ، بحيث لا يبدو أي أثر لما يسميه المسؤولون بالنموذج التّنمَوي ، ولا تنمية ولا مولاي ابّيه ، فقط الهجرة نحو المدن ، وإضافات يومية لجَحافل العاطلين والمتربّصين بالمسَاكن العشوائية والصّفيحية المتميزة بالهشَاشة ، و la précarité ، التي يعتبرونها أفضل بكثير مما يعانونه من فقر وملَل وإحباط في قراهم المهمّشة ، رغم استمرار غُصّة في النفوس والقلوب لن تنطفيء حُرقتها مهما طالت الأيام ، بسبب مواجع وذكريات عن زمَن الرخاء وجمال الحقول خلال الستينات والسبعينات ، ليبقى الشعار الدّائم والمُستمرّ :
بلادي ولو جارَت عليّ عَزيزةٌ
وقومي ولو ضَنّوا عَليّ كرامُ !
فأخوك مُضطرّ لا بطل ! لأنهم في سكنىٰ الكاريَان بمعاناة وقسوة أدهىٰ ، أو حسَب تعبير امرأة اكتوت بنار الغربة وظروف الكاريان المزرية :
احنَا هْنا في الصّيف مَحروقينْ ، وفي الشّتا مَغروقين !
