آخر الأخبار

الشعب المغربي يدعم شعب فلسطين أولا و أخيرا

إدريس الأندلسي

لا أدري إن كان بعض السياسيين يتذكرون الجهود التي بذلت سنة 1974 في الرباط للتأكيد، بقرار قمة عربية، على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني. تنازل الملك حسين عن وصايته على الضفة الغربية و القدس. و أصبحت كل فصائل الثورة الفلسطينية، و على رأسها حركة فتح، تتواجد، بشكل رسمي في كل المنتديات الدولية بإسم منظمة التحرير الفلسطينية بكل توجهات مكوناتها الايديولوجية و المذهبية. كانت التناقضات آنذاك واضحة و التموقعات مؤثرة في الساحة السياسية المغربية. كانت هناك بعض التجاذبات، و لكن الأهم ظل يتمركز في دعم قضية و ليس في دعم تيارات أو أحزاب أو حركات فلسطينية . لم تقف الكثير من الأنظمة بحياد إتجاه مكونات منظمة التحرير. توزعت أشكال الدعم من البعثيين للبعثيين في فلسطين ، و للشيوعيين و القوميين و الاسلاميين لمن يسيطر على الأنظمة السياسية في العالم ” العربي و الإسلامي “. و شهد هذا العالم قبل حوالي خمسة عقود ثورة إيران بقيادة الخميني، و قبلها وصول صدام و الأسد و القذافي عبر انقلابات إلى الحكم ؛ و رحل جمال عبد الناصر عن الوجود تاركا وراءه تاريخا من الانتكاسات . طغى الخطاب على الفعل و سيطر تخوين الآخر و ذبح الإختلاف على الأرض العربية. و يتذكر متابعو القضية الفلسطينية كيف ظهرت حركة المقاومة الإسلامية ” حماس ” مباشرة بعد ثورة الحجارة، و كيف كانت إسرائيل تواجه منظمة التحرير التي وافقت على الحل السياسي، و لا تهتم بحماس ،أو لنقل لا تعيق سيطرتها و تطور بنياتها في غزة و لا تتدخل في استمرار وجودها. جرى كل هذا في ظل تضييق كبير على كل من آمن بالضمانة الأمريكية لحل عادل للقضية الفلسطينية.
ركزت حكومة الكيان المغتصب لأرض فلسطين على محاربة و اضعاف ياسر عرفات و كل حلفاءه. و عرت على سياستها التي لا تعير أي إحترام للعهود. وقع عرفات على اتفاق اسلو و بدأ حلم بدأ حلم بداية الطريق عبر” غزة و اريحا أولا “. وتبين أن الاحتلال لا يعرف سوى القمع و الاعتقالات التي طالت كل من آمن بالحل السلمي من أجل دولتين تتجاوران و تتعايشان. و ظلت حماس تعارض منظمة التحرير الفلسطينية بدعم من بعض الدول العربية و الإسلامية التي كانت تقايض دعمها للقضية الفلسطينية بمواقف هذه الأخيرة من سياساتها، و خصوصا، من شكل الوصاية التي تريد فرضها على مواقف الفلسطينيين من إسرائيل و الغرب و العالم العربي والإسلامي. و لم تسلم الجامعة المغربية من خلط دعم إحدى مكونات منظمات التحرير الفلسطينية مع دعم القضية الفلسطينية. و كم عانى الراحل واصف منصور خلال السبعينات و الثمانينات ، و الذي كان اكثر الفلسطينيين في المغرب حضورا في المنتديات ، مع التيارات الطلابية في المغرب لإقناعها بقبول الإختلاف و التوحد من أجل القضية.
سيطرت حماس على القطاع ، و سيطرت فتح على جزء من الضفة الغربية. بارك الغرب و صنيعته إسرائيل انقسام الصف الفلسطيني. صعدت إلى الواجهة كل أشكال الخطاب الذي يجعل من الآخر خائنا للشعب الفلسطيني. كانت سلطة الاحتلال تنتظر الساعة الصفر لقطاف الرؤوس. اغتالت عرفات و الشيخ ياسين . غاب الحكماء ممن لا يجهلون أن إستعمال معطيات الإختلاف داخل الصف الفلسطيني هو أقوى سلاح استعملته إسرائيل. و لا يجب أن نتجاهل علم الدول ” العظمى” الغربية بدور حركة الأموال الكثيرة الرائجة ، بموافقة قبلية، بين حماس و دول أخرى خليجية. و يعرف، أغلب المتتبعين، أن السلطة الوطنية الفلسطينية كانت تنتظر شهورا طويلة للحصول على مداخيل الجمارك المتأتية من دخول السلع و الخدمات إلى الضفة الغربية. الأمر يتعلق بملايير الدولارات في غزة وضعت تحت تصرف بعض القيادات. و نفس الأمر وقع، ولكن بصفة أقل، في الضفة. و لأن توزيع الأموال، بدون مراقبة ظاهرة، صنع فئات إجتماعية ذات ثقل في صنع القرار، فلقد سمع الجميع أن أرملة عرفات أصبحت سيدة أعمال في تونس ” بن علي ” و بعد ذلك في باريس. تحدثت أنباء عن اغتناء قيادات كونت ثروات في دول خليجية و في تركيا بعلم من إسرائيل و الغرب.
و ظلت فئات كبيرة من الشعب الفلسطيني، و جزء من قياداته خارج حسابات الربح و الخسارة و الإستثمار في تجارة رابحة للبعض على حساب قضية تهم ملايين الفلسطينيين. ظل الكثير من أبناء فلسطين يدعمون، عبر العالم، قضيتهم، التي هي قضية يعترف العالم بأنها عادلة ، و لكن من يكتبون التاريخ لا يعترفون بقيم العدالة و الحرية. صنع الكبار قانونا دوليا و فرضوه على الآخرين و انتهكوه قبل و بعد صنع منظمة الأمم المتحدة.
لكل ما سبق، كان من المفروض ” عربيا و مغربيا” أن لا تصبح قضية فلسطين مضمارا للتنافس السياسي بين مكونات مشهدنا الحزبي الضعيف و المهلهل. لا يجب أن ننسى أن عشرات الآلاف من الضحايا في غزة و الضفة يؤمنون بقضيتهم أولا و أخيرا. و أن أغلب شعوب العالم تساند قضية عادلة، و تعتبر إسرائيل دولة عنصرية و همجية و مغتصبة و مجرمة. لا يهمها أن تساند حماس أو فتح أو الجبهة الديمقراطية أو الشعبية أو أي حركة أو حزب. المساندة الحقيقية هي تلك التي تتوجه للعالم من أجل شعب فلسطين. قنابل الاحتلال تقتل الآلاف من أطفال و نساء و شيوخ فلسطين. أنت هدف للاغتيال لأنك فلسطيني. لا يهم أن تكون اسلاميا أو شيوعيا أو قوميا. لكل ما سبق، يجب أن لا يستغل أي حزب أو أية حركة إجماع المغاربة على فلسطين لقضاء مآرب سياسية رخيصة. الكلام هنا لا يهم من قالوا ” أنهم، كلهم إسرائيليون”، فهؤلاء ، و أمثالهم، وضعوا أنفسهم في خدمة الصهيونية منذ زمان . يظل التسييس الرخيص أو لنقل الاستغلال السياساوي لقضية فلسطين خطرا على الجميع. نعم قضية وحدتنا الترابية مقدسة و ستظل كذلك رغم الغباء التاريخي لأعدائنا، الذين اكرمناهم فكانوا من الجاحدين. و سيظل دعمنا لفلسطين في مقام عال و ذو أولوية لدى كل المغاربة بكل حماس و بدون دعم جناح فلسطيني على حساب كل مكونات الشعب الفلسطيني.