آخر الأخبار

الشخصيات التراثية في الملحون : بنُ صفرة لَمْهَلَّبْ

سعيد عفلفل
هكذا ورد إسم هذه الشخصية العربية ذائعة الصيت في قصيدة من الملحون المعاصر للشاعر الفارس محمد الگزولي. والواقع أن شعراء الملحون المعاصرين لا يقلون شأنا مقارنة بالشعراء القدامى في استحضار التراث العربي و المغربي، وفي توظيف شخصياته البارزة في قصائدهم. وهم بذلك يشكلون استمرارية لهذا الإبداع الشعري. ومن أبرز هؤلاء الشعراء المعاصرين الشاعر محمد الگزولي الذي يفرض علينا أن نقف وقفة متأنية لاستنباط ما يزخر به شعره من إبداع و تجديد في موضوع و شكل القصيدة الملحونة. لقد نظم محمد الگزولي قصائد في مختلف الأغراض / المواضيع، غير أن ما يثير الانتباه هو تفوقه و سبقه للنظم في قصائد تعنى بعالم الخيول؛ كيف لا وهو الفارس الذي خبر الخيل و خصائصها. صحيح أن الشعراء القدامى تحدثوا في قصائدهم عن الخيل : وصفوها و ذكروا مميزاتها و ألوانها وعدة الحصان و الفارس لكن كان ذلك في قسم أو قسمين من القصيدة. إن الشاعر محمد الگزولي نظم عشرات القصائد كلها تتحدث عن الخيول من أول قسم من القصيدة إلى آخر قسم منها. قصائد تتحدث عن أنواع و سلالات الخيول، عن ألوانها و صفاتها، عن كيفية تربيتها، عن شروط ركوبها أثناء مواسم الفروسية و التبوريدة. كما فصل لنا في عدة و لوازم الحصان و الفارس معا وهو بذلك يكون على وشك إضافة غرض جديد لأغراض الملحون؛ أجازف هنا و أقول إنه غرض ” الخيليات” – نسبة للخيول-. في ورقة قادمة بحول الله سنعطي لهذا الشاعر حقه و سنقف على تجربته الشعرية في نظم القصيدة الملحونة و في الزجل بشكل عام.
بالعودة إلى قصيدة “لهدادة” التي ورد فيها إسم الشخصية العربية المهلب بن أبي صفرة ،وهي قصيدة في قياس قصيدة طال تيهانك يا محبوبي للشاعر مبارك السوسي. يقول محمد الگزولي في قصيدة “لهدادة” :
” لمليح فالهدادة يفهي لعقول
نعني كْما بْنُ صفرة لَمْهَلَّبْ
حين سرَّج عصفُه و بدا يعطب
مْنْ تعنَّى وْ دْنا لْفرسُه
يضحى من بعد كان سايس فالحين فريسة
بالحافر مدروس.”
والهدادة في عرف و تقاليد الفرسان مربي الخيول هي مرحلة التزاوج لدى الخيول، وهي عملية جد حساسة تتطلب تهييئا كبيرا يستحضر أدق التفاصيل. إذ يتم اختيار أجود الفحول من الخيل، خيل ذات سلالة نقية و بنية جسدية قوية لافتة للنظر : ” لمليح فالهدادة يفهي لعقول “. كما يتم اختيار أجود الأفراس. قبل عملية التزاوج ( لهدادة) يتم تنظيف و غسل و تطهير و تلقيح الفرس و تجهيزها من كل النواحي. في خضم هذه العملية يحرص السائس على احترام مجموعة من الشروط. إن الحصان الفحل في لحظة التزاوج ( لهدادة) يبدي و يظهر غيرة مفرطة اتجاه فرسه و يمنع كل شخص من الاقتراب من الفرس و لو كان سائسا. قد يحدث أن يهاجم الحصان / الفحل السائس إذا اقترب أكثر من اللازم من الفرس و يصبح ضحية و فريسة لجموح الحصان. يقول الشاعر :
” من يتعنى و دنا لفرسُه ** يضحى من بعد كان سايس فالحين فريسة ** بالحافر مدروس.”
كان لابد لنا من الإشارة لهذا الطقس الهام من عالم الخيول قبل الحديث عن شخصية الحلقة : المهلب بن أبي صفرة الذي جاء ذكره في القصيدة مرتبطا بالشجاعة :
“نعني كْما بن ُ صفرة لمهلب ** حين سرج عصفُه وركب.** سل سيفُه و بدا يعطب. ” و العصف هنا صفة من صفات الحصان القوي الشديد كأنه ريح عاصفة، وفي هذا الصدد نجد إشارة لهذه الصفة في قصيدة الجفن للسي التهامي المدغري إذ يقول :
” يوم ركبني عاصف مقطع الصروع”.
المهلب بن أبي صفرة : هو المهلب بن ظالم الأزدي و يكنى بأبي سعيد ولد عام الفتح أي في السنة الثامنة 08 للهجرة في منطقة دبا ( منطقة الآن تمتد من سلطنة عمان إلى دولة الإمارات) و توفي عام 82 هجرية. قيل إنه أسلم في عهد الرسول و وفد عليه فأمره النبي بتغيير إسمه ظالم إلى أبي صفرة.
عينه الحجاج بن يوسف الثقفي على عهد الأمويين عاملا ( واليا) على خراسان عام 78 ه / 697 م. يتمتع المهلب بن أبي صفرة بعدد من الصفات قلما تجتمع في رجل واحد. كان شجاعا مقداما، أبان عن قدرة هائلة على القتال و إدارة المعارك بكفاءة كبيرة، شارك في العديد من الغزوات و بفضل شجاعته تم فتح و غزو عدة امصار : من السند و الهند و سمرقند و طبرستان وكل الأمصار التي كانت شرق نهر دجلة. حارب الخوارج مدة 19 سنة وخصوصا فرقة الأزارقة حتى كسر شوكتهم.
ظهرت علامات الشجاعة و الإقدام على المهلب و هو صغير السن. يروى أن والده ذهب مع أبنائه إلى الخليفة عمر بن الخطاب. أعجب الخليفة بذكاء و فطنة و سرعة بديهة الفتى المهلب وقال عمر لوالد المهلب : ” هذا سيدُ ولدِك.”
بالإضافة إلى الشجاعة اتصف المهلب بعدة صفات، فقد كان كريما، نديا و حليما شهما حكيما وله قصص كثيرة تؤكد كل هذه الصفات الحميدة. قال عنه عبد الله بن الزبير :” هذا سيد أهل العراق.”
ادركته المنية و هو واليا على خراسان و كان ذلك عام 82 هجرية.