عبد الرحيم ضقية
يلاحظ من يلج الفصول الدراسية تحولات في التعامل مع السبورة كمرآة للعمل الصفي من خلال تراجع دورها في هيكلة الدروس واحتضان الأنشطة التطبيقية وتصحيح الوضعيات التقويمية. وفي إطار منهجيات بناء الدروس التي يقترحها التعليم الصريح تم تعزيز أساليب العرض الرقمي الذي يعد ثورة أداتية في منهجيات التدريس لكنها تحد من صناعة المعرفة من طرف المتعلم/ والمدرس/ة حيث يتم التعامل مع وضعيات جاهزة قابلة للتعليب والتصدير لذهن المتعلم/ة مما يفوت عليه فرصة البناء التدريجي الذي يتميز به التعلم. وفي هذه الورقة سوف نتناول بعض أدوار السبورة سواء السوداء أو البيضاء في الاشتغال على تصحيح وتعديل الخطأ ضمن وضعيات تعلمية والتعامل الإيجابي معه باعتباره مسارا نحو التعلم ليس حجرة عثرة في الطريق.
• السبورة /المرآة فضاء للتعديل المتعدد المداخل.
تعتبر السبورة مجالا لعمليات التصحيح والترميم والمعالجة بكل أشكالها. فإذا كان الخطأ عبارة عن حادث ملازم للممارسة التعلمية فإنه على السبورة يتم في إطار مراقبة الجميع ويتحول إلى خطأ-فُرجة تحوله السبورة إلى شاشة معبرة عن انحراف باد للعيان مما يحول طبيعته إلى توثر ضمن العلاقات البينية. لكن الدراسات الحالية تعمل على الوقوف على الخطأ ودراسته والحد من مضاعفاته على المتعلم/ة من خلال التعديل الفوري أو البعدي من خلال:
– تعديل جماعي: ويتم ضمن السبورة في إطار أنشطة اعتيادية يتم فيها تقويم الانحراف وفهم الخطأ ومسحه من السبورة ومن الذهن عبر إجراءات تصحيحية؛
– تعديل فردي: يتم التعديل بين متعلم/ة وآخر أو بين المدرس/ة والمتعلم/ة في إطار عمليات ميكانيكية لها وقع معتبر على مجموع الفصل الدراسي مع الحرص على حفظ الوضع الاعتباري لكل منهما؛
– تعديل ذاتي: وهو إجراء يحصل في الأقسام الدراسية يوميا حين يفطن المتعلم/ة لارتكاب الخطأ ويقوم بتعديله فورا أمام مراقبة المدرس/ة وجماعة القسم. وتفسره الدراسات بأنه إعلان ثوبة أمام الجميع بعد المسح الفوري أو بعد العودة الثانية إلى السبورة من أجل التعديل (Guillotte,1990, p46).
ويتم تدبير حادثة الخطأ تربويا من خلال إجراءات متدرجة ومتداخلة من أجل إكسابه شرعية الوجود ضمن آليات التعلم عبر محطات متتالية لكنها متداخلة ومتفاعلة مع الوضعية التعلمية من خلال:
• استقبال الخطأ: الخطأ عبارة عن حادث ملازم لممارسة التعلم، إلا أن السبورة تجعله واقعة يشهد عليها الجميع مما يحوله إلى خطأ-فرجة قد تكون له آثار على مرتكب الخطأ على مستوى سيرورة التعلم. وعلى مستوى الفصل الدراسي فحين يتم التغاضي عنه من طرف أعين المراقبة الفورية مما قد يجعله ينتشر ضمن الآثار المكتوبة للمتعلمين/ات من خلال عمليات النقل التي تعقب استخراج الخلاصات أو تصحيح التمارين والسلاسل، فخطأ فرد واحد قد يتحول إلى 40 خطأ في دفار المتعلمين/ات وأذهانهم/ن. لذا يتعين الاشتغال على الخطأ في كل مراحل التعلم ورفع طابع المأساوية عنه عبر سيرورات تجريبية في مختلف المواد الراسية سواء في قواعد اللغة والإملاء والرياضيات والفيزياء وتبيان أن الخطأ ملازم للعلم وأن ما وصل إليه اليوم هو استفادة وتديل لأخطاء الأمس؛
• صيانة الخطأ: تعتمد الصيانة على عمليات استباقية لتلافي العطب في الآلات وكذا في الممارسات والسلوكات. وهي ترسانة من التوجيهات الوقائية تحذر من الوقوع في الخطأ عبر إجراءات معرفية وتنظيمية تروم احترام المساطر والقواعد التي تستند عليها النماذج النظرية والتطبيقية للمواد الدراسية. فالصيانة تبدأ عمليا أثناء بناء مكونات الدرس من حيث الاشتغال على المفهوم المركزي وتثبيت القواعد ودراسة الحالات الخاصة واعتماد محاذير واضحة وتعد السبورة فضاء للتوصيل والتواصل الجماعي بدون حواجز تعززها خطابات المدرس/ة وانخراطه الجسدي عبر الصوت والحركة والميم. وعند حصول الخطأ يتعين الرجوع إلى الوراء من أجل طرح فرضيات عمل دون اللجوء إلى العقاب أو الإخفاء أو التصحيح الفوري. فقد يكون مصدر هذا الخطأ متعددا من قبيل سوء فهم منطوق التوجيهات أو الأسئلة؛ أو مصدره من تخطيط وتدبير بناء الدرس نفسه وكذا مدى ملائمة الدعامات المعتمدة للموقف التعلمي-الهدف؛ أو من تمثلات المتعلم/ة ومعرفته السابقة بالموضوع والت يقد تكون غير سليمة. لذا توصي الأبحاث إلى اعتماد خطة صيانة متكاملة للخطأ خاصة على سطح السبورة بكل أنواعها من اعتباره حادثا يدخل ضمن ادوت التعلم وجزء من المحاولات التجريبية التي تتبناها المعرفة العلمية.
• ترميم الخطأ: يتم التعديل أمام المرآة عبر مجموعة من الإجراءات التي تحاول مقايسة الصورة الحسية الماثلة في المرآة مع الصورة المتصورة الثاوية في الذهن. وهذا التدخل هو نفسه ما يقع على لوح السبورة عندما يتدخل أي كان لترميم الخطأ الماثل أمام الجميع مما يكون له وقع على الذاكرة والبناء المستقبلي للمعرفة لأنه رأب للصدع قبل استفحاله. وهناك عدة خيارات يتم اللجوء إليها من أجل تنفيذ الترميمات الضرورية بشكل تشاركي جماعي تحصل فورا على المصادقة فور القيام بها لأن ذلك يؤسس لعلاقة إيجابية مع فعل ارتاب الخطأ بدون عقد ذنب تجاه الذات والآخر. ومن خيارات الترميم المتداولة على السبورة:
– استعمال أساليب ذكية لتثبيت القواعد ومراجعتها الفورية مثل قاعدة 3/3 أو معرفة مدى قسمة عدد على ثلاثة أو خمسة أو عملية التربيع من أجل رسم خريطة بدون انحراف أو شكل هندسي معقد … وغيرها من العمليات البسيطة؛
– تحويل فضاء السبورة إلى مساحة للتسويد الجماعي مفتوح أمام الجميع من أجل تصحيح الأخطاء واكتساب الثقة في الذات من طرف أعضاء جماعة الفصل الدراسي من خلال التحكم في الآليات عبر المحاولة والخطأ؛
– يمكن في وضعيات خاصة استعمال تقنيات التعليم المصغر من أجل العودة إلى اللحظة التي وقع فيه الخطأ من أجل ترميم المسار وليس الخطأ وحده وإعادة بنائه بشكل صحيح مع تعيين عناصر اليقظة التي سوف تحول دون الوقوع فيه .
• المعالجة: يحيل المفهوم إلى جذر «عالج» بمعنى تعامل مع اختلال أو مرض، وكذا إعادة بناء وساطة بين أطراف متنافرة Re –médiation . وكلا المفهومين صالحين لهذه الوضعية التربوية التي وصلنا إليها في إطار علاقة السبورة/ المرآة بالمعيار/ الجواب الصحيح؛ أو الذات وصورة الذات في المرآة. كما أن وضعية الاشتغال على السبورة تتيح عملية عقد وساطة بين المعرفة والذات الباحثة عنها في إطار وضعيات تربوية وديداكتيكية مخطط لها. وتقوم المعالجة على رأب الصدع الذي ينتج عن سوء الفهم أو الانحراف الذي أدى إلى ارتكاب الخطأ. ويستوجب هذا الموقف فترة نقاهة من أجل استيعاب عملية تغيير المسار ومواجهة الخلل من حيث اتخاذ بُعد من العملية واستيعابها الكامل من أجل نجاعة عمليات المعالجة. فبعد عمليات الاستقبال والصيانة والترميم تأتي مرحلة المعالجة التي تشكل خطوة شبه نهائية للمتوج المصادق عليه من طرف الجميع. وتتم عبر مستويات أربع هي:
– تقديم الجواب الصحيح: في هذا المستوى يتم تمكين المتعلمين/ات من الجواب الصحيح على شكل تغذية راجعة مما يعني منحهم/ن موجهات مضبوطة تمكنهم/ن من المقارنة بين أجوبتم/ن والجواب الصحيح لاكتشاف الفوارق بأنفسهم/ن مما يزيد من تمكنهم/ن من المضمون المستهدف؛
– معالجة جماعية: تستهدف مجموع الفصل الدراسي اعتمادا على عدد محدود من الأخطاء التي وقع فيها على الأقل نصفهم/ن. ويمكن ذلك المدرس/ة من استهداف العوائق المتكررة لدى عدد دال من المتعلمين/ات وتتحول إلى تعلمات منتظمة يستفيد منها الجميع؛
– معالجة فارقية حسب الحاجات: بعد عملية تصحيح منجزات المتعلمين/ات يتعين تقسيمهم/ن إلى مجموعات ذات حاجات خاصة أي أنهم/ن يعانون من نقص في مؤشرات معينة. ويتم تنفيذ المعالجة بتقسيم المتعلمين/ات إلى مجموعات من المتعلمين/ات حسب حاجاتهم المشتركة بالنظر للكفايات التي لا يتحكمون فيها؛ ثم الوقوف على الأخطاء المشتركة بينهم/ن؛ وبد ذلك اقتراح أنشطة وتمارين لعلاج التعثرات الملاحظة ؛
– معالجة فارقية فردية: تتوجه أساسا إلى المتعلم/ة الذي يعرف صعوبات في إنجاز وضعيات تقويمية محددة تم حصرها عن طريق مقارنة إنجازاته. مما يستوجب اقتراح أدوات علاجية فردية من طرف المدرس/ة بناء على دعامات رقمية مُسهلة للتعلمات دون الرجوع على منهجية الدرس التقليدي الذي استنفذ جدواه بناء على التقويمات المختلفة، ويتعين المرور عبر قدرات مستعرضة وأخرى نفسية اجتماعية من أجل تنويع وضعيات التعلم وكسب الثقة في النفس.
يكون فضاء السبورة أذن مصحة كاملة التجهيز من أجل علاج الخطأ بكل مراحله ابتداء من استقباله ثم فحصه وإجراء التحاليل عليه، ثم صيانته وترميم الخلايا والأعضاء التي تأثرت بالاعتلال ثم أخيرا تقديم برنامج علاجي متعدد المداخل. والخروج من التجربة بأن الخطأ ملازم للحياة في مفهومه العام وملازم للتعلم في مفهومه التربوي.