اليوم تحل الذكرى الخامسة لرحيل شقيقي ورفيقي رشيد نزهري ،فهو ماثل في قلبي لن أنساه ما دمت حيا.نظمت السنة الفارطة اتحاد العمل النسائي حفلا تأبينيا مشكورة ألقيت فيه هذه الكلمة أعيد نشرها ،
كلمة حكيم نزهري
(باسمي ونيابةً عن أفراد عائلة فقيدنا رشيد نزهري، نشكر الحضور، ونشكر القائمين على هذه الِالتفاتة الكريمة، على دعوتنا للمشاركة في هذه الصُّبحيَّة المخصَّصة لتأْبين الفقيد، ترسيخًا لثقافة الِاعتراف، ضمنَ أَنشطة فرع اتِّحاد العمل النِّسائيّ، ومركز النَّجدة لمساعدة النِّساء ضحايا العنف بمرَّاكش، تكريمًا، وعِرفانًا، ووفاءً لروحه الطَّاهرة في ما قدَّمه من تضحيَّات، وخدمات جليلة نضاليَّة، لأَنشطة اتِّحاد العمل النِّسائيّ المتميِّزة منذ التَّأْسيس، إيمانًا صادقًا بأَهميَّة وضرورة إِحقاق حقوق النِّساء في ظلِّ مجتمع ذُكوريٍّ متخلِّف.
لقد عاش الفقيد درسَ معاناة النِّساء، والمساواة، والإِنصاف في الميدان، خارج الشِّعارات، من مدخل الواجب بصفته محاميًّا متطوِّعًا، لخدمة قضايا النِّساء.
عَزاؤُنا
فيه كأُسرة، ما خلَّفه لنا من سيرة نضاليَّة مشبعة بأَرقى القيم الأخلاقيَّة والإنسانيَّة، ما أَحوجنا اليوم إِلى استلهامها، والِاسترشاد بها، لتقويم وتصحيح أَعطاب العمل السِّياسيّ، والحزبيّ، والثَّقافيّ، والحقوقيّ، والجمعويّ المدنيّ.
عَزاؤُنا
فيه في ما زرعه في قلوبنا، من محبَّة شاسعة تتحدَّى النِّسيان، وفي الدِّفاع عن حقِّ البسطاء من أَجل: الحبِّ، والفرح، والخير، والحريَّة، والجمال.
عَزاؤُنا
في ضميره المهنيِّ المتَّقد، في ليونة المواقف مع صرامة في المبادئ، في انضباطه للمواعيد، واحترامه للمواقيت، وللقوانين، والمساطر الَّتي يتعاقد عليها.
عَزاؤُنا
في تطلُّعاته للتَّغيير والتَّقدُّم، في مُستمْلَحاته وهو يناوش الفكر بوجعٍ إنسانيٍّ، في تلذُّذه بما تيسَّر من فرح، في حرصه ورقابته على صحَّته.
عَزاؤُنا
في إبداء رأْيه – لمَّا تتباينُ التَّقديرات السِّياسيَّة بين الرِّفاق – دون تجريح أَو تخوين، وفي الحفاظ على مسافة إِنسانيَّة واحدة مع الجميع.
عَزاؤُنا
في استعداده لتأْديًّة ضريبة الإِيمان بحقِّ شعبنا، في الحريَّة، والدِّيمقراطية، والعيش الكريم.
عَزاؤُنا
في طيبوبته الَّتي قلَّ نظيرها، ينشر الِابتسامة والسَّعادة بين النَّاس، وأَصدقاءه.
عَزاؤُنا
في أحلامه الَّتي لم تكن أَحلامًا شخصيَّة، مصلحيَّة ضيِّقة، في كونه مناضلًا حقوقيًّا، مهمومًا بقضايا الإِنسان، والرَّافض لكلِّ الوصايا والإِغراءات أو التَّهديدات.
عَزاؤُنا
في وفائه لاختياراته ناجيًّا بعزَّته وكرامته وصفاء سريرته.
عَزاؤُنا
كعائلة، في كونه الِابن البارّ للحاجّ حمَّان، والحاجَّة خدُّوج بوزِيان، رحمة الله عليهما، كانا يُناديانِه: بمولاي الرَّشيد.
عَزاؤُنا
في فقد الزَّوج والأَب المثاليّ، وأُحيِّي بالمناسبة رفيقة عمره العزيزة، عزيزة عصام، وابنتهما ريم الشَّابة المهندسة، وابنهما المهندس الدَّوليّ أَنيس…
للحديث عن سيرة المرحوم عناوين عديدة، تستحقُّ أَن يحتفظَ بها كتجربة إنسانيَّة رائعة.
أَفتتحها بنبذة مختصرة عن أَهم الأَحداث في تقديري المتواضع، من حياة رشيد نزهري، احترامًا لمن لم يكن يعرفه في هذا الجمع المبارك من قبل.
وأَستحضر من خلالها بعضَ الأَدوار الفاعلة في مواقع نضاله المتعدِّدة، وكذلك بعض المهامِّ التَّنظيميَّة والجماهيريَّة، السِّياسيَّة، والحقوقيَّة، والثَّقافيَّة، الَّتي أَلزم نفسه فيها بالضَّرورات الأَخلاقيَّة، التزامًا واعيًّا عن اقتناع ورغبة، حصَّنته على الدَّوام من الإِغراءات والِانحرافات السُّلوكيَّة، منتصرًا بشموخ لقِيَمِ الحقِّ والعدل والحبِّ، والخير، والرَّغبة في التَّغيير بفنّ الممكن انتزاعه.
ازداد سنة(1952) بمرَّاكش المدينة، التزم مبكِّرًا مع تأْسيس النِّقابة الوطنيَّة للتَّلاميذ(ن. و. ت)، ساهم وهو تلميذ نشيط في تأْسيس عديد من الجمعيَّات، اهتمَّ من خلالها: بالمسرح، والتَّخييم، والثَّقافة، ولم يكن من النَّوع الَّذي يقتصد في العطاء، كان مجتهدًا في دراسته، متفوِّقًا بالرَّغم من مسؤُوليَّته التَّعبويَّة النِّضاليَّة داخل النِّقابة الوطنيَّة للتَّلاميذ، وبعد التحاقه بكليَّة الحقوق بالرِّباط، انخرط في النِّضال في إِطار الاتِّحاد الوطنيِّ لطلبة المغرب، مع جبهة الطَّلبة التَّقدُّميِّين مجموعة (23) مارس، المنظَّمة السِّرية الَّتي تدرَّج في المسؤوليَّة التَّنظيميَّة في إطارها، إلى أَن اعتقل سنة (1974).
تعرَّض للتَّعذيب في معتقل درب مولاي الشّريف السَّيِّء الذِّكر، الكثير من رفاق المرحوم قدَّروا صموده الَّذي ساعدهم في عدم الِاعتقال. من درب مولاي الشّريف نُقل إلى السِّجن المدنيِّ(غْبِيْلَة) بالدَّار البيضاء، وبعد صدور الأََحكام في ملف السَّرفاتي ومن معه في(14 فبراير 1977)، نُقل إلى السِّجن المركزيِّ بالقنيطرة مُثقَلًا بِ:(22) سنة سجنًا، قضى منها أَكثر من عشر سنوات، إِلى أَن غادره في أَواخرَ غشت (1984)، هو ومجموعة من معتقلي محاكمة (77)، تحت ضغط سياسيٍّ، من جمعيَّات حقوقيَّة دوليَّة، وبفضل نضالات عائلات، وأُمَّهات المعتقلين السِّياسيِّين.
بعد مغادرته السّجن، تعدَّدت وسائل نضاله، في عناوين ومجالات عديدة ومختلفة، فأَعطى الكثير إخلاصًا لقضايا شعبه،
في المؤتمر الوطنيّ الأَوَّل، لمنظّمة العمل الدِّيمقراطيّ الشّعبيّ، انتخب لعضويَّة لجنتها المركزيَّة، وتحمَّل مسؤُوليَّتها بكفاءة واقتدار مشهود له بها؛ وتكلَّف بمعيَّة الرَّفيق عبد الله ساعف، بالمساهمة في تأْسيس المنظَّمة المغربيًّة لحقوق الإِنسان سنة(1989)، مع المهدي المنجرة، وعمر عزِّيمان؛ التحق بجريدة أَنوال وأَصبح عضوًا في هيأَة تحريرها.
صارع وضعه الاستثنائيّ بمرّاكش، مقارنة بجهات أُخرى، لحرمانه من بذلة المحاماة، في بلد تُظلم فيه الكفاءات، ويُكرَّم الُّلصوص، بذريعة أَنَّه كان معتقلًا سياسيًّا.
انتزع حقَّه في المهنة قضائيًّا، وكلُّ النُّقباء الَّذين تلاحقوا يشهدون له كمحام بالكفاءة، والاقتدار، والنَّزاهة، ونظافة اليد، ساهم في تجويد مهنة المحاماة، بمقالاته الدِّفاعيَّة، الَّتي اعتبرت نموذجًا في التَّكوين، والاجتهاد لأَجيال مُقبِلة على المهنة.
تقلَّد مسؤوليَّة كاتب عام لفرع المدينة حزبيًّا.
ساهم في تأْسيس، فرع المنظَّمة المغربيَّة لمساندة الكفاح الفِلسطينيّ، وتحمَّل مسؤوليَّة تدبيرها الماليّ بنزاهة ونظافة يد.
تطوَّع بلا أَجر في قضايا النِّساء المعنَّفات، وأَسدى خدمات جليلة لاتِّحاد العمل النِّسائيّ ومناضلاته الَّلواتي وجدْن فيه خير رفيق مواكبٍ وداعم لهنَّ عن قرب، ومشاركٍ فاعل في كل مبادراتهنّ.
ساهم في تأْسيس العديد من الجمعيَّات من ضمنها منظَّمة العمل المغاربيّ، بمعيَّة صديقه ورفيقه عبد العالي بن شقرون، و برئاسة رفيقه وصديقه الحميم القائد اليساريّ الماركسيّ علَّال الأَزهر، الَّذي يكنُّ له المعزَّة والاحترام في عقلانيَّته، لتحليل الأَوضاع السِّياسيَّة القائمة، واستنتاج المواقف المطابقة لها، حيث كان الفقيد من مهندسي منظًّمة العمل المغاربيّ، ومن صاغ قانونها الأساسيّ منذ بداية التّفكير إلى لحظة التَّأْسيس يوم الأَحد(19 يونيو 2011)؛ وتحمَّل المسؤوليَّة داخل مكتبها، وهو يؤْمن إيمانًا صادقًا بأَهميَّة البناء المغاربيّ.
مناضل سياسيّ، نسائيّ، مناضل إعلاميّ صحافيّ،مناضل حقوقيّ، مناضل جمعويّ مدنيّ….مناضل في أسرته الصّغيرة، فلك الخلودُ في نفوسِنا وفي ذاكرتنا، يا أًعزَّ وأطيب النّاس، ماثلُُ في قلوبنا لن ننساك، ،إِنَّنا نشكو من أَلم فراقك ووحشتك، غرامًا لا يشعر به إلَّا من ذاق حلو أُنسِك، وعرف مقدار نفسك، وشاهد جمال لطفك، ورأى كمال أدبك وظرفك، إلى الله مآبك أَيُّها الزَّهْرُ الِّذي قطفه الموت وترك استنشاقي للحياة دون رائحة، فرحمة الله عليك.
وأجدُد الشُّكر للحضور ولاتّحاد العمل النّسائيّ مع مركز النَّجدة، كما أَتقدَّم بشكري أيضًا باسم العائلة لكلِّ من واسانا وشاطرَنا الحزنَ في ظرفيَّة جائحة وباء (كوفيد)، وحجْرِها الصِّحيّ القاهر، ونتقدَّم بالتَّعازي للَّذين انضافوا برحيلهم إلى قافلة فُرسان النّضال الدّيمقراطيُ التَّقدميّ بالمغرب.
والسَّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته).
الذكرى الخامسة لوفاة المناضل رشيد نزهري
