آخر الأخبار

الدكتوراه إعتراف يمكن أن يمنح خارج الجامعات

إدريس الأندلسي

افيقوا أيها السياسيون
يعرف الجميع أن الدكتوراه، و غيرها من الشهادات، هي جزء من الإعتراف لشخص بمقدرته على الإستمرار في تعلم و ممارسة مناهج البحث العلمي. لم يصبح هذا الإعتراف ” مهما ” الا بعد أن أصبح جزءا من منظومة تربط الوضعية الإجتماعية بدرجة التحصيل العلمي الرسمي. أقدم كل الاعتذار لكل من صنع التاريخ العلمي و المعرفي عموما دون أن يتجاوز عقبات إدارية و ايديولوجية و دينية لم تخول له ” لقب ” دكتور” و أعرب لكل هؤلاء عن إحترام عميق لأنهم خدموا الإنسانية و هم مسلحون بعلم أو بعلوم كان لها أثر على تغيير التاريخ و الحضارة. قد يأتي دكتور من هؤلاء الذين يعيشون بيننا ليؤكد أن ” غاليلي “، الذي اغتالته الكنيسة، ليس دكتورا، و لو أنه بين علميا أن الأرض كروية الشكل. و كان علماء اللاهوت اللاتينيين هم من أعطوا لأنفسهم لقب دكتور . و لم تكن هذه التسمية في الأصل ذات علاقة بعلوم الطب. ويقال أن لقب أو إسم” دكتور مشتق من اللاتينية تنطق ” دوصيري” و تعني العلم و المعلم. و المرجع في وقتنا هذا ذكاء اصطناعي. .
و عرف إسم أو لقب دكتور نفس المسار الذي عرفه ” لقب أو درجة ” الحاج ” في اللخبطة التي أصابت ممارسة العبادات. و يعلم الجميع، من العارفين” أن الحج كفعل يتطلب السفر، و ممارسة شعائر خاصة، في وقت محدد، من طرف شخص حج إلى مكة يعطيه لقب حاج خلال فترة سفره فقط. و لكن ” الحاج ” تحول إلى إمتياز إجتماعي و تشريف بعد سفر مكلف. و لو صح، دينيا، ربط إقامة ركن أو شعيرة دينية لأصبح ممارس الصلاة يحمل لقب ” المصلي ” و تكاثرت الألقاب كالصائم ، و المزكي، و الشاهد. و أصبح مفتاح الدخول إلى مقامات وهمية حمل لقب دكتور. و يظل كبار الباحثين و العلماء يرفضون الألقاب، و يكتفون بجرد أعمالهم البحثية، و ثقلها العلمي. أما عبدة الألقاب فهم من ادخلوا العار إلى جامعاتنا من خلال إفساد التحصيل العلمي عبر بيع الشهادات مقابل المال و التحرش الجنسي. اقرأ كتبا كثيرة، و ذات ثقل معرفي و بحثي، و لا أجد لقبا للكاتب غير إسمه العائلي و الشخصي. و لا زلت أتذكر ما حصل لي مع أحد أبناء الحي، الأكبر مني سنا ،في مراكش الذي علم بحصولي على الدكتوراه من فرنسا. وجاء يطلب مني استشارة طبية. حاولت بكثير من الجهد أن أفسر له أنني لست طبيبا. و قرأت في نظراته كثيرا من الرسائل التي لا تعتبر أن غير الأطباء يجب أن يتم منحهم درجة دكتور. و اتفقت معه ضمنيا، و لم أقبل أبدا أن ” يطنز” علي أحد باستعمال ” دكتور” للنداء علي.
و أتذكر بكثير من الإحترام اساتذتي في كليات الرباط و بوردو الفرنسية الذين لم نكن نخاطبهم بلقب دكتور، لكنdبصفة ” استاذ”. و كان المغاربة لا يتنادون بينهم بلقب دكتور، خارج نطاق الطب، إلا علي سبيل الهزل عكس ما هو متداول في مصر و سوريا والخليج . و أصبح يومنا مثقلا بالألقاب التي تغيب عنها الأعمال، و لا ترتبط بالأبحاث و الإبداع. وأصبح الدكتور كلقب مفتاحا لتشويه الجامعات، إلا من رحم ربي، و للتمكن من حضور، غير ضروري، في استديوهات التعليق على الأخبار في القنوات التي أصبحت كلها رسمية. و هكذا تحول الدكتور إلى مرشح سابق لدى حزب حاكم، و إلى أداة تصفي و تعيد صياغة خطاب بأدوات غير علمية. و استعر سباق ممتهني اليوتوب ، الأغنياء بحكم ملكتهم في صنع خطاب بكل ما يسمى الحقيقة و ضدها. و قال الدكتور الجديد أن العلم لديه، و المعلومة حكر عليه ، و الحصول على المغانم حق له و لحاشيته. لقد اختلط الحابل بالنابل، و هذه أسطورة تبين مدى سيطرة ” المخلوضين ” على صنع الخبر و التعليق عليه، و الاغتناء السريع من وراءه. احتقر ضعاف النفوس، و اشتم كل مستغل يسترزق من صحافة الكذب، و البحث على درهم يدخل جيبه من جراء المحاباة، و النقد السياسي و الإقتصادي وسيلة للحصول على منافع مالية عبر امتهان الكذب و السمسرة.

و لن يفوتني أن أتوجه بكل عبارات الاستهزاء لكل من يعتبر درجة الدكتوراه وسيلة إلى التضليل، و انتهاز الفرص للفوز بالمزايا. لا ثبت ألله سعيكم. و سأظل من الحاملين لغل عميق سياسي، و طبقي و أخلاقي لكي يحاكم كل مفسد كان دكتورا جبانا، أو كان محتالا على الشأن العام.
و سأظل شاكرا و معترفا لكل عالم حارب الجهل، و واجه الطغيان، و لم ينحدر إلى أسفل سافلين من أجل اغتناء غير مشروع. و اللعنة الكبرى على كل من حارب ، وساهم في عرقلة سن قانون ضد الاغتناء غير المشروع. يا علال الفاسي، أيها المناضل السياسي الشهم، و الذي مات و هو يدافع عن فلسطين في رومانيا، إن احفادك، في حزبك ، يساندون كل القضايا التي تهاجم حقوق المغاربة الذين وهبت حياتك من أجلهم، و وضعت أمامهم وثيقة تاريخية سميتها ” النقد الذاتي”. لم تكن تعترف إلا بأحرار المغاربة ، و أصبح المنتمون إلى حزبك لا يجدون حرجا في السكوت عن خطايا أحزاب الإدارة. و أحفادك ، اي المنتمون إلى حزب الاستقلال اليوم يتنكرون اليوم لتوجيهاتك.  قد يجدون أنفسهم، إن لم يحذروا، في منحدر خطير. و سيظل كل من يعتز بلقب دكتور، من غير الأطباء، محتالا و محبا للألقاب لغاية غير مفيدة.