آخر الأخبار

الخطاب السياسي بين الدقيق و الكرطون

مولاي حفيظ القضوي

أن يتفوه برلماني بأن الدقيق المدعَّم يُخلط بالأوراق، فذلك تصريح خطير لا يمكن المرور عليه مرور الكرام. لأنه لا يمسّ قضية عابرة أو زلة لسان، بل يطال قوت المواطن وسمعة الاقتصاد الوطني وثقة الناس في مؤسساتهم.
مثل هذه العبارات لا يجوز أن تُقال عبثًا ولا أن تُبرَّر بعد ذلك بأنها تعبير مجازي. فهل صار المجاز اليوم مبررًا للتسرع، ومهربًا من المسؤولية؟ أليس من المفترض أن الخطاب السياسي يكون صريحًا شفافًا، خاليًا من الغموض والمناورة؟ وهل يجوز لمن يفترض فيه الحكمة والخبرة أن يعبث بالكلمات في زمنٍ تحتاج فيه البلاد إلى من يُحسن القول والفعل معًا؟
إن من يطلق تصريحًا بهذا الحجم دون تمحيص أو بيّنة، يعبث بثقة الناس في الدولة، ويُحدث شرخًا في العلاقة بين المواطن ومؤسسات بلاده. ومن يبرر بالصمت، أو يلوذ بالتأويل، فهو شريك في الجرم بصمته أو بخوفه أو بلامبالاته. لأن المسؤولية لا تُختزل في الكلام، بل في ميزان الوعي والانضباط الوطني.
لقد تعب المواطن من لغة التبرير، ومن الخلط بين الجدّ والهزل في الخطاب العام. الناس اليوم لا تريد خطبًا غامضة ولا تصريحات مترددة، بل تريد وضوحًا، وصدقًا، وشجاعة في مواجهة الحقائق كما هي.
والمؤسف أن مثل هذه الزلات تتكرر في وقتٍ حرجٍ تمر فيه البلاد بمرحلة دقيقة، تتطلب من كل مسؤول أن يكون على قدر المرحلة ووعيها، لا أن يُشعل الفتنة بعبارة طائشة أو تبريرٍ سخيف. نحن نحتاج إلى أطرٍ كفؤة، ناضجة في فكرها، قوية في تواصلها، تعرف متى تتكلم وكيف تقول ولماذا.
صراحة، لم أتناول الموضوع في حينه، لأن ما كان أهمّ آنذاك هو قرار مجلس الأمن بخصوص قضيتنا الوطنية الأولى، قضية الصحراء المغربية. لكن الحدث يستحق التوقف الآن، لأنه يعكس خللًا في الخطاب قبل أن يعكس خللًا في الفعل. فالوطن لا يحتاج إلى من يثير الغبار بالكلمات، بل إلى من يبني الثقة بالفعل والمسؤولية.