آخر الأخبار

الجيل Z: بين العالم الافتراضي و تحديات الواقع

ملاك غرابو

يعرف مغرب اليوم لحظة فارقة مع بروز جيل جديد من الشباب، جيل Z، الذي لم يعد يكتفي بالمشاهدة أوالانتقاد من خلف الشاشات، بل اختار أن ينزل إلى الشارع ليعُيد صياغة مفهوم الاحتجاج بشكل مغايرعن المعهود، هذا الجيل الذي وُلد في زمن التحولات الرقمية، وترعرع في بيئة مفتوحة على العالم، دوماً ما يعيش ثقل واقع محلي مثقل بالمشاكل: غلاء الأسعار، أزمة السكن، تراجع جودة الخدمات العمومية، وارتفاع البطالة خصوصاً بين فئة هذا الجيل، و بالمقابل أنتجت هذه الظروف دينامية جديدة عنوانها الأبرز أن المغرب يحتاج إلى إعادة ترتيب أولوياته على أساس الصحة، التعليم، العدالة والشغل.

و ما يميز هذا الجيل أنه لا يرفع شعارات أيديولوجية أو سياسية ضيقة، ولا يختبئ وراء تنظيمات حزبية أو نقابية كما كان في السابق، بل يستمد قوته من التنظيم الرقمي والتعبئة الذاتية، منصات مثل : إنستغرام، تيك توك, ديسكورد أو إكس أصبحت بمثابة “مقرات افتراضية” يتشارك فيها الشباب آراءهم، ينسقون خطواتهم، ويصنعون لغتهم الاحتجاجية الخاصة، وهذا ما جعل الحركة أكثر مرونة وأصعب احتواءً في الوقت ذاته، إذ لم تعد مرتبطة بقيادة مركزية يمكن استهدافها أو احتواؤها.

لكن الأهم، أن الجيل Z يرفض أن يصُوَّر كجيل غاضب أو مدمر، فالمتابع لشعاراته يكتشف أن مطلبه الأساسي هو الكرامة، وأن طريقه لتحقيقها لا يمر عبر الصدام، بل عبر إصلاحات جذرية في المجالات الأساسية ، هو جيل يحب وطنه بصدق، يرفع العلم المغربي باعتباره رمزاً جامعاً، ويؤمن أن قوة البلد تكمن في صحة أبنائه، في تعليمهم، في توفير شغل كريم لهم ،وفي وجود عدالة منصفة للجميع، لذلك، فهو يصرخ لا من أجل الهدم، بل من أجل البناء.

و اللافت في هذه الحركة أنها أعادت السياسة إلى معناها البسيط: ربط هموم المواطن اليومية بالمجال العام، حيث لم تعد الشعارات تدور حول الانتماءات الإيديولوجية، بل حول حياة المواطن العادية: أسعار المواد الأساسية، ظروف العلاج في المستشفيات، مستقبل الشباب في سوق العمل، وتكافؤ الفرص أمام الجميع، هذه المطالب الاجتماعية المباشرة جعلت الحركة أكثر قرباً من عموم الناس، وأعطتها صدقية وامتداداً لم يعرفه الشارع المغربي منذ سنوات.

من جهة أخرى، تكشف هذه الدينامية أن المغرب مقبل على مرحلة جديدة من علاقة الدولة بالشباب، فإذا كان الجيل Z قد أثبت أنه قادر على التنظيم الذاتي وإسماع صوته بطرق سلمية وذكية، فإن السؤال المطروح اليوم هو: كيف ستتعامل المؤسسات مع هذه الرسالة؟ وهل ستفُتح قنوات حوار حقيقية مع هذا الجيل الذي لم يعد يقبل دور المتفرج أو المستمع السلبي، بل يفرض نفسه كفاعل رئيسي في صياغة المستقبل؟

في النهاية، الجيل Z ليس مشكلة ينبغي احتواؤها، بل فرصة يجب استثمارها، إنه طاقة مجتمعية ضخمة، قادرة على تجديد دماء الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية في المغرب، والتحدي اليوم أمام الدولة والمجتمع هو: هل سيتم الإنصات لهذا الجيل واستيعاب طموحاته، أم الاكتفاء برؤيته كصداع مرحلي قد يخفت بمرور الوقت ؟