آخر الأخبار

الجواهري و الأحزاب السياسية

َمحمد نجيب كومينة 

ما قاله والي بنك المغرب عبداللطيف الجواهري بشان وضعية الاحزاب السياسية “المبوكرة المزعترة” في تقديري الشخصي ليس ناشئا عن عداء للحزبية وللاحزاب، لان تكنوقراطي اليوم عاش فترة ازدهار العمل الحزبي و صمود الاحزاب خلال سنوات الرصاص و عايش القيادات السياسية ذات الكاريزمية العالية، حيث كان عضوا في اللجنة التنفيدية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب. اعتقد، والى ان يثبت العكس، ان كلامه ذاك نابع من احساس بالاسى والالم لما الت اليه الحياة الحزبية من تردي شامل، لا يستثني احدا، تردي التنظيمات وترهلها، تردي القيادات، تردي الاخلاق السياسية وتدهورها الذي بلغ حد فتح سوق للاتجار في البشر في الايام الاخيرة. الاحزاب اليوم بلا هوية مميزة ولا اختيارات او برامج متمايزة، ولا علاقة لها بالمواطنين خارج الزمن الانتخابي، وابوابها مغلقة في وجه الاطر السياسية والتقنية ذات المستوى العالي، وما اكثرها، بل ان المافيات المسيطرة تدفع بما تبقى من اطر الى المغادرة كي لا يبقى هناك منافس على الريع الوزاري او البرلماني او المحلي.
هل تتصورون ان من يتنكر لحقوق صحفي و يتصرف كسلطة قائمة على الطغيان ان يحقق للمغاربة الوعود الذي يتشدق بها ويزايد بها خطابيا، وهو اعلم بانه انما يعد نفسه او من هم قريبين جدا منه، هل ان من يبيع التزكيات لمن يدفع اكثر و يسخر الشناقة يمكن ان يثاق في خطابه، وهل ان من يتحاربون ليل نهار بدوافع ذاتية بينما يعرفون انهم بلا امتداد شعبي ولا افق للخروج من الهامش، هل تتصورون ان يبعثوا على الثقة و يحفزون على المشاركة او على النضال الديمقراطي الذي يتطلب قدرا من الاخلاق، وقدرا من الانسجام مع النفس وقدرا من الوضوح في الرؤيا وقدرا من الانفتاح على المواطنين بمختلف فئاتهم .
قد يسارع البعض الى القول ان كل ما يحدث من فعل المخزن، واذ لا انفي مسؤولية بعض الاجهزة التي عملت على خلق الفراغ و تعميم العمالة و سيطرة الرداءة، فانني اقول ان المخزن فعل اكثر في سنوات الرصاص و لم يصل الى مسخ الحياة الحزبية والسياسية كما هي ممسوخة اليوم، فاين الخلل اذن؟ من المؤسف اننا لم ننتج نخبة في مستوى النخبة الوطنية التي قادت معركة الاستقلال وبالاخص في مستوى اخلاقها وعزة نفسها.
لست معاديا للاحزاب، واعتبرها ضرورة للديمقراطية، لكنني اشعر بكثير من الاحباط واظن ان غيري يشعر بما هو اشد. وعندما اقرا للاستاذ عبدالرحمان الغندور مثلا، فانني اشعر بالمه. هل اضعنا العمر في النضال؟ لا ، لقد قمنا بما قدرنا عليه ووجدنا في وقت من الاوقات ان الرداءة انتصرت وانتشرت وازاحت من طريقها ما يناقضها، و مع ذلك بقينا نتحرك ب”لعريق” الاخير دفاعا عن مبادئ في انتظار الرحيل.
كلام شاركته مع نفسي و ارتايت ان انقله دون اهتمام بترتيب او تنميق.