آخر الأخبار

التوراة و ثقافة الغدر الصهيوني

إدريس الأندلسي 

تحولت سماء الشرق الأوسط إلى حلبة فضائية كبرى تسبح فيها الطائرات الحربية، المسيرات المحملة بالقنابل، و كثير من الصواريخ بعيدة المدى. قرر نتنياهو، بمباركة أمريكية، بدء الهجوم رغم أن الإتفاق على جولة مفاوضات بين إيران و أمريكا بخصوص الملف النووي. هل كان الهدف من هجوم غادر هو قتل المفاوضات، أم أن الغدر متجدر في قلب الصهيونية. لا يمكن لعاقل، أو حتى لصاحب مصالح من دول و مؤسسات، أن يقف غير منحاز إلى ضرورة وقف الحرب. هل تخطت إسرائيل كل الخطوط، و أصبحت تتحدى العالم أجمع، أم أن أمريكا تدفعها لخلط الأوراق في العلاقات الدولية بعنف متواصل و قد يؤدي إلى دمار كبير. لم تعد أمريكا تملك كل الأوراق، و لم تعد الدول الكبرى في آسيا تسمح بالمس بمصالحها. تظل الصين تنادي بالسلام، لكنها تمتلك من قوة الردع ما يمكن أن يحد من هيجان القرار في أمريكا.
جاء في ” سفر التكوين 31 – 34″ أن بنت يعقوب ” دينة بنت لية” قد دنست أي أنها تعرضت للاغتصاب من طرف” شكيم بن حمور” الكنعاني. و قد سبق ليعقوب أن دفع لوالد هذا المغتصب مئة قطعة فضية ليستقر في قطعة من أرضه. و تألمت دينة كثيرا من جراء ما تعرضت له من ادلال و مهانة. و تصف نصوص سفر التكوين تفاصيل الواقعة، من ” زلة قدم البنت… و وقوع شكيم عليها…و كيفية سحب ثوبها”. لكن الفاعل تعلق، رغم فعلته ، بالفتاة، و أراد الزواج بها. عرفت صديقات دينة بكون الفاعل هو إبن الأمير. و قد قام هذا الأخير، مرفوقا بابنه، في اليوم الموالي بزيارة رسمية للأرض التي يقيم بها يعقوب و أولاده. و رغم توجه الأمير حمور مع يعقوب و أبناءه بطلب الزواج قائلا ” ان إبني شكيم علقت نفسه بابنتكم فأعطوها له زوجة ” ( سفر التكوين 34 :4-8). وصل الخبر إلى أبناء يعقوب فتملكهم غضب شديد. دخلوا في مساجلات مع حمور رغم قلة امكانياتهم أمام رجال الأمير المسلحين. و تميزت هذه المواجهة ببروز إثنين من أبناء يعقوب، و هما ” شمعون و لاوي”. ورغم وعود حمور لأبناء يعقوب بإعطائهم صفة المنتمي إلى أرض كنعان، و المستفيد من أرضها و خيراتها، اشترط بنو يعقوب أن يتم اختتان من سيتزوج بأختهم أي أن يتم ” قطع القلفة” بسكين حاد، و زادت شروطهم لكي يصبح أهل حمور مثل أهل يعقوب أن يتم اختتناهم كذلك . و لأن هذه العملية قد تمت الموافقة عليها، و لأنها عرضت أهل حمور إلى فترة نقاهة لتجاوز آلامها، قرر ” شمعون و لاوي” الإنتقام ليلا من الراقدين للاستشفاء. و قتلا بسيوفهما الأمير و إبنه و استرجعا اختهما دينة. و بدأ نهب الأغنام و الأبقار و القتل يوميا، بينما كان يعقوب يقول لابنيه أن العاقبة سوف تسوء، و هم يجيبونه ” لا كزانية يتخذ اختنا ” كما جاء في سفر التكوين. و ظل الصوت الوحيد الذي غاب عن القرار هو صوت الأخت حسب الكاتب ” جوناتن كيرتش صاحب كتاب حكايات محرمة في التوراة “. و كثيرة هي الحكايات التي أسست للغدر الإسرائيلي بدءا من ضيافة الكنعانيين لهم، ثم الخروج إلى مصر، و الرجوع مرة ثانية في عهد موسى، حسب اقوالهم و نصوصهم.
و أستمر الغدر بكل من يستضيف أحفاد و أحفاد احفادهم. و يمكن أن نجد في قصص عائلات من القدس، و اريحا و يافا و عسقلان كثيرا من الأمثلة على الغدر. حكى لي صديقي الفلسطيني أن جدته استضافت يهودا خلال الحرب العالمية الثانية. و بعد أيام طردوها من بيتها و تم تهجير العائلة إلى مدينة حمص بسوريا. و حين زارني هو و أخته الكبرى زادت معرفتي بتفاصيل الغدر الذي أدى إلى النكبة. حرصت أخت صديقي الفلسطيني على أن تحيي عيد ميلادها الستين بإطفاء شمعة مغروسة في حلوى أمام بيت جدتها. و لم تنس أن الإيمان الراسخ بالعودة لن ينمحي من قلب كل فلسطيني.
و يستمر العمل بسياسة الغدر إلى اليوم بشكل ممنهج. حدد الرئيس الأمريكي ،صاحب الرسائل الكثيرة، الخطابات المرتجلة، و التهديدات التي تشمل أصدقائه و حلفاءه، و حتى جيرانه، أن مفاوضات ستتم يومين قبل أن تقوم إسرائيل بهجوم مباغت على إيران. و ها نحن نتابع يوميا حربا تشمل آثارها الكثير من الدول، و قد تؤدي إلى أزمات لم يعرفها العالم من قبل. يجرى الآن تهديد للقارة الآسيوية و الأوروبية و منطقة البحر الأبيض المتوسط بسبب النتائج التي قد تنتج عن تفجير المنشآت النووية الإيرانية و مركز ديمونة بإسرائيل. قدد تدخل دول أخرى على خط النزاع، و قد بلغت تلوح في الأفق القريب أزمات في قطاع الطاقة و التجارة العالمية و التزود بالمياه و الغذاء. قال سفير إسرائيلي سابق في فرنسا أن نتنياهو هو الشيطان في هذا الزمن. لا يهمه أن يموت الطفل الفلسطيني أو الإسرائيلي أو اللبناني أو السوري. لا يهمه أن يقتل رهائن حركة حماس. و لا يهمه أن يقتل الجندي الإسرائيلي لأن ما يهمه هو أن يستمر في حكم إسرائيل و لو أدى الأمر إلى نهايتها.
و قد تبين خلال السنتين الأخيرين أن جزءا كبيرا من دول الغرب التي ترفع، منذ أكثر من قرنين من الزمن، شعارات المساواة و الحرية و حقوق الإنسان، هي التي توفر لنتنياهو كل الوسائل للاستمرار في تهديم و تشويه صورة الغرب أمام الإنسانية. و من المؤكد أن أتباع نتنياهو، و أغلبهم من الاشكيناز ذوي الجدور الأوروبية الكرزية، لا يهمهم سوى التدمير. و هناك من يذهب إلى أن إسرائيل تمتلك 4000 صاروخا نوويا قادرا على تدمير أوروبا و أمريكا و آسيا. لا زالت الدول الكبرى في آسيا تتحكم في سياساتها و قراراتها. سيأتي يوم قد تضطر هذه الدول، و على رأسها الصين، للتكشير عن انيابها النووية و الإستراتيجية. إن هدوء الصين، و كل نمور آسيا حاليا هو مجرد إنتظار لوصول إسرائيل و حلفاءها الأوروبيون و أمريكا إلى النقطة الصفر.