آخر الأخبار

التعديل الحكومي بالجزائر

محمد نجيب كومينة 

َيبدو ان طرفا في نظام الكابرانات وعى جيدا ان الجزائر تخسر كثيرا بالاستمرار في العداء الاعمى للمغرب و اتخاذ قرارات خرقاء من منطلق الحقد الذي يشل العقل، و منها القرارات المتعلقة بقطع العلاقات و وقف نقل الغاز نحو اسبانيا عبر الانبوب العابر للتراب المغربي و الدفع بالغبي بن بطوش الى اعلان وقف اطلاق النار الموقع مع الامم المتحدة وليس مع المغرب واغلاق الاجواء الجزائرية في وجه الطيران المغربي و خوض حملات مخابراتية و اعلامية ضد المغرب ومصالحه و من اجل خلق مشاعر عداء اتجاه المغاربة لدى الشعب الجزائري …الخ.
خسارات الجزائر المترتبة عن ذلك العداء لا تقف عند حدود الهزائم الديبلوماسية المتكررة في مختلف الساحات و تقدم المغرب على طريق تاكيد و تعزيز وحدته الترابية بالاعتراف الدولي، بل انها تمتد، وهنا يكمن الاهم، الى الداخل الجزائري الذي تعتمل فيه ازمات خطيرة جدا لا تمثل ندرة عرض المواد الاستهلاكية والطوابير المتضخمة يوما عن يوم الا المظهر الخارجي لها، اذ ان الجزائر التي خسرت عشرات ملايير الدولارات، وربما مئات الملايير، على البوليساريو و المخابرات وشراء الاسلحة لا تملك اليوم اقتصادا، وهو ما ابرزه غيابها عن قائمة الدول العشر الاكثر تصنيعا في افريقيا التي نشرت مؤخرا، والادهى من ذلك انها عاجزة عن انتاج حاجيات ساكنة ليست كبيرة من المواد الاساسية من قبيل الدقيق والسميد والزيت و الحليب …وحتى غاز البوتان والبروبان (بوطا غاز)، مع العلم ان عدد سكانها الرسمي منفوخ لغرض في نفس يعقوب وليس حقيقيا (سكان الجزائر اليوم اقل من 40 مليون وهناك مساحة شاسعة من البلاد فارغة من السكان).
اموال الغاز والبترول، سواء لدى ارتفاع الاسعار الدولية او انخفضت، لا تخرج الجزائر من ازماتها و لا تمكنها لا من انجاز بنيات تحتية يعتد بها و لا من بناء منشات للانتاج و لا من تطوير فلاحة قادرة على تموين السوق الداخلية و تخفيض التبعية، شبه المطلقة، للاستيراد، و لا حتى من تحقيق توازنات مالية مستدامة. وحين تنخفض الاسعار الدولية للبترول والغاز تجد الجزائر نفسها امام خطر الانهيار المالي والاقتصادي وحتى خطر المجاعة، مادامت تستورد كل حاجياتها تقريبا وتصرف عليها ما يتبقى بعد شراء الاسلحة و نهب الكابرانات و الرشاوي و كلفة البوليساريو، وغير خاف على احد اليوم ان الجزائر بصدد الخروج من دائرة الدول المنتجة للبترول، وان صادراتها البترولية تتراجع سنة بعد اخرى، و يقدر هذا التراجع بنسبة تقارب 50% حاليا، و عائدات الغاز، الارخص ثمنا، لا تعوض عائدات البترول.
واذا استثنينا الفترة الحالية المطبوعة بتاثير الحرب في اوكرانيا، التي تشبه في تكوينها الجزائر باعتبارها قامت على اساس اقتطاع اراضي روسية وبولونية و غيرها، فان الدورة الحالية لاسعار المحروقات والمواد الاولية ليست دورة ارتفاع للاسعار، بل العكس، ومن المتوقع، مالم تحدث ازمة عالمية كبرى، ان تستمر اسعار المحروقات في الانخفاض بعد ارتفاع انتاج الطاقات النظيفة. وهذا ما يجعل الجزائر، اذا ما استمر حالها على ماهو عليه، امام خطر وجودي، خصوصا وانه يتبين ان الكابرانات لم يستطيعوا بناء هوية جامعة و لم يفلحوا في بناء دولة تستطيع ان تصمد امام اعصارات العصر القوية والمدمرة لكل ماهو هش، والدولة الجزائرية هشة بلا عمق تاريخي قائمة على العسكر، لان بومدين ومن معه سار بها في هذا الطريق مند انقلابه على الحكومة الجزائرية المؤقتة بدعم من بن بلة في البداية.
التعديل الحكومي الاخير في الجزائر فيما يبدو، وهنا اتكلم في دائرة الاحتمالات، يشير الى ان طرفا داخل النظام الجزائري استشعر هذه الاخطار و فهم ان تركيز سياسة دولة بكاملها على العداء للمغرب وعلى البوليساريو يقود الى ماهو اخطر، ولذلك شمل التعديل الخارجية ووزارات اقتصادية ووزارة الشباب والرياضة، و من المحتمل ان تكون عودة احمد عطاف للخارجية، بعد غياب عن المشهد كليا مند حوالي 24 سنة بعدما كان صوت الجنيرالات خلال العشرية السوداء والمدافع عن جرائمهم ضد الشعب الجزائري، عودة مبرمجة لوضع نهاية لرمطان العمامرة الفاشل والمتوتر من جهة وايضا للتخفيف من حدة التوتر في المنطقة، خصوصا وان عطاف فيما يظهر اكثر فهما لتطور الوضع الدولي الحالي، حتى وان كان قرار اغلاق الحدود المغربية الجزائرية قد اتخذ في الوقت الذي كان فيه وزيرا للخارجية، و اقل ارتباطا عاطفيا ومصلحيا بالبوليساريو، هذا فضلا عن كونه ارتبط في السابق بالجنيرال توفيق و يمكن ان يكون هو من اعاده و بالتالي فان هذه العودة قد تكون في اطار توجه لحل المشاكل العويصة مع الغرب ومحو الاثر الذي خلفه العمامرة وشنقريحة لديه باعتبارهما مقربين من روسيا.
هذا التحليل قد يصح، لان هناك معطيات حقيقية ومؤشرات تدعمه، وقد يكون سبب التعديل الحكومي الجزائري واعادة عطاف الى الخارجية هو لقجع والكرة وليس الحسابات الديبلوماسية والاستراتيجية او حساب مصالح الجزائر ومستقبل شعبها، واذا كان الامر كذلك فان الجزائر ماضية لا محالة وبسرعة الى الكارثة.