آخر الأخبار

إنه وقت إعادة بناء الأحزاب بفكر الشباب الحر تكاليف الحملات الانتخابية خارج الولائم و ” الهدايا “

إدريس الأندلسي

تسرب عنف الملل إلى كل مكونات الشعب المغربي في تصورها للاحزاب و خصوصا الشباب منهم . أصبحت صور قياديي اغلب هذه الأحزاب صادمة للمشاعر، وسلاحا فتاكا يصد كل رغبة في التوجه إلى العمل الحزبي. أصبحت المؤتمرات الحزبية صناعة تتقنها اقلية من المستفيدات و المستفيدين من الريع السياساوي و ” الحزباوي”. لعب الزمن السياسي دورة في صنع اللامبالاة، و أخطأ الكثير من الزعماء الصادقين في تدبير أزمات داخلية. حاول من امتلكوا جرأة التعبير عن رأي في توافقات غير مضمونة العواقب و النتائج، أن يغيروا مسارات احزابهم فتم اجبارهم على إختيار رجل طيب، قال في وجه شباب حزبه التواقين إلى التغيير و التخليق، ” بأن أرض ألله واسعة “. و وجد كثير من الامناء العامين للاحزاب في ” مقولة عبد الرحمان اليوسفي” وسيلة لإخلاء الأحزاب من كل الأصوات المعارضة “. أخطأ اليوسفي، و هو الرجل النزيه، و الذي لم يعرف. بدقة، مسارات الشبيبة الاتحادية، و مسارات أكثر درامية لشبيبات يسارية، هي من غلبت كفة مصداقيته التاريخية لدى الدولة. و يمكن للبعض أن يتساءل عن التركيز على لحظة قوية في تاريخنا السياسي. و قد أفضى بنا، جزئيا، إلى ما نحن عليه. و حين وقف الإتحاد الاشتراكي مباركا مخالفة المنهجية الديمقراطية انقلب على نفسه و على من ناصره ممن غادروه ، و انفكوا من حوله. و لكي لا أخفي جبة من إختار شعبة التحليل السياسي قبل حوالي خمسة عقود، وجب البدء من حيث إنتهى من قاد مرحلة الإنتقال من 1958 وصولا إلى سنة 1963 ، ثم إلى سنة 1965.
يمكن تلخيص تاريخ تكوين الأحزاب السياسية في بلادنا ،تجاوزا، في بضعة سطور. قرر الملك الراحل الحسن الثاني أن يكون رفقاؤه في الحركة الوطنية أهم معاونيه على البناء حسب، رؤيته لمغرب ما بعد الاستقلال. كان زعيم التحرير، الملك المنفي و الرافض لأوامر المستعمر، سدا ضد الإستعمار بدعم من نخبة وطنية . اعتقل المستعمر جل هذه النخبة، و الآلاف من المواطنين من بينها ، و اغتال منهم الكثير، و قرر أن ينفي السلطان محمد الخامس إلي جزيرة مدغشقر التي تبعد عن المغرب بحولي 8 آلاف كيلومتر. توافق الباشا الكلاوي، ذو الأصول المحاذية للمنطقة التي صنعت أول موقع لدولة الموحدين، مع كثير من القياد تنفيذا لقرار الجنيرال ” اوكيست كيوم “. اشعلوا منذ ذلك اليوم شرارة المواجهة مع الأحرار و المقاومين المغاربة إلى أن رجع محمد الخامس إلى عرشه و كان من الواجب التذكير بتاريخ ثورة الملك و الشعب . و وجب التذكير، أيضا، بتلك الردة التي قام بها من كانوا يحلمون بشيء آخر غير الاستقلال. أدعو شباب ” ز ” ، وكل من يسمون بلغة عصرنا ” بصناع الرأي ” ، أن قراءة تاريخ من أرادوا تقسيم المغرب من أمثال ” عدي أو بيهي ، و بعض قياد منطقة الريف ” يتطلب جهدا و وعيا يسمو إلى درجة تصور مغرب الغد المسلح بقيم العدالة و التنمية و تغليب المحاسبة على تقييم المسؤولية.
و يظل الهاجس الوطني ممتدا إلى محطة المسيرة الخضراء في مسلسل مسيرات الوطن التي تحبط اطماع الأعداء . و لا يمكن أن لا ندعوا بألف رحمة على مبدع المسيرة الخضراء، و التي ستسجل خطوتها الخمسين المسجلة لنصف قرن عن أول خطوة كسرت كل الحدود و التي وثقت لمسيرة شعبية اجتازت حدودا وهمية في ذلك اليوم المشهود.
لن اشكك أبدأ في جيل ” زيد” من أبناء البلاد الأحرار، ولن اسامحه ابدا” إذا لم يناضل ، بكل حرية و نزاهة، و بأسلوب علمي و ،بطريقة سلمية و مسؤولة من أجل تغيير واقع البلاد. أتوجه إلى هذا الجيل لكي يؤثر على كل الانتخابات. أطلب من كل الشباب أن يسجلوا أنفسهم في لوائح الانتخابات. أرجو أن يبحثوا في تاريخ كل التيارات السياسية التي تحمل مطالبهم، وإن لم يقتنعوا بما يوجد في الساحة ، أن يشكلوا مؤسسات ذات قوة لتغيير مجتمعهم .هذه مجرد رسالة، و الباقي عليكم. إن اختفيتم بعد شهور ، فسيظل تجار الأزمات و الانتخابات يستغلون ضعفنا لتشويه بلادنا، و قهر كل إرادة للتغيير، و تقليل قدرتنا للحفاظ على مغربنا .
تجاوب ملك البلاد مع منهجكم، و سيظل دوركم أن تطوروا هذا المنهج حتى تصبح المحاسبة هي الأساس. قرأنا في بلاغ صادر عن مجلس وزاري، أن هناك رغبة لزحزحة، بعض الأحزاب التي تستغل لائحة الشباب و النساء لكي تضع أبناء الزعماء و حتى احفادهم على رأس الأحزاب الوطنية و الجهوية. توجد رغبة ملكية لتغيير المؤسسات ، ولا يجب أن لا يتم تحصينها ضد الريع الحزبي. إنه وقت بناء المتارس ضد أبناء الأعيان ، و انتخاب أبناء الشعب بكل حرية ، و بالقليل من تكاليف الانتخابات. لا يمكن أن يتم تنزيل الإرادة الملكية في ظل تفرج الإدارة الترابية على مهازل الانتخابات المذلة للمنتخبات. أتذكر ذلك الشهم و الشاب “حفيظ” المرشح في إحدى دوائر الدار البيضاء ، و الذي كان يبحث عن شغل، و كان ذو رأي، و لكنه صرخ بأعلى صوته بأن إعلان نجاحه في انتخابات مجلس النواب زوره من كان ذا سيطرة في ظل هيلمان إدريس البصري على وزارة الداخلية. حار الحزب، و حار البصري، و انتصرت قيمة الإلتزام السياسي بفضل شاب كان ، و لا أعرف إن لا زال، يعاني من هجوم اقتصاد الريع على قدرته الشرائية، و لعله ممن يعانون.
توجد إرادة لحسم أمر الفساد السياسي، و لكن هذه الإرادة تحتاج إلى تفعيل عبر مراقبة مواطناتية، و مواكبة قضائية، و محاسبة لكل الأحزاب التي تستفيد من المال العام، و لا تستعمله من أجل تحصين الوطن ضد الريع ، و ضد كافة أشكاله. رأى المغاربة، خلال مؤتمر حزبي عادي جدا، كيف كان العناق حارا بين رئيس الحكومة و امرأة مسؤولة، تعرفها اقلية ، في حزب له تاريخ، و أشك في أن يكون له مستقبل. وقف الراحل عبد الرحيم بوعبيد ، بأناقة ، إلى جانب الراحل الحسن الثاني، وقفة رفيق إلى جانب رفيقه قبل سنوات. كان الإحترام المتبادل بينهما حقيقيا ،عكس عناق، حار جدا ، لم يفهم ماهيته أي إتحادي تربى في مدرسة عبد الرحيم بو عبيد، و كافة قياديه الذين عاشوا على الكفاف و العفاف و الغنى عن الريع السياسي. اقول هذا، لأن كل أطياف اليسار كانت تحترم الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، و بعده الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و كل الأحزاب الوطنية. و تكمن المسؤولية الحقيقية في الإلتزام، و الإبداع و الإبتعاد عن الانتهازية ، و التي يرجع تحصينها إلى الشباب فقط. و اللعنة على الانتهازيين و الانتهازيات يمينيات، كن، أو متسترات في قناع يساريات. و ستظل المناضلات اليساريات، اللواتي تعرضن لكل أشكال التعذيب خلال سنوات الرصاص، أكثر صلابة في الدفاع عن الوطن، و الأكثر ابتعادا عن الريع الحزبي. أما أصوات الوصوليات فستندحر حتما مهما تعددت الميكروفونات لحمل أصواتهن النشاز التي تعبر عن خيانة تاريخية لحزب له تاريخ. أتمنى أن يعتمد الشباب، خلال معركته السياسية على قوة الإقناع، و أن يقلل من مصاريف حملاته الانتخابية. تكنولوجيا اليوم أكثر تأثيرا من التجمعات و الصور المكلفة ماديا. أي حملة انتخابية فاقت مليون سنتيم يجب اعتبارها غير قانونية. و من يريد موقعا ” بفلوس ” فليذهب إلى السوق التي تناسبه، و ليعرف أن قانون الأسواق تكلف الكثير.