إدريس الأندلسي
كان الشغف كبيرا لدى جزء كبير من البشرية في مجال الوصول إلى تحكم الأخلاق في تدبير المجتمعات و الدول. أقبلت علينا قيم الغرب، صدقها كثير منا، و نسينا أن هذه القيم صاحبت توسع الإستعمار، و خلق أزمات في الخليج و الشام، بما فيها الاستيلاء على فلسطين. و لا يمكن أن ننسى أن خطاب الغرب في مجال القيم لم يحمي أحدا ضد الظلم، بل تسلل الخطاب حول القيم إلى ميادين التجارة، و الصناعة، و التعليم، و الصحة و ممارسة السياسة. و تسلل هذا الخطاب إلى الإعلام الوطني، و أضافت بعض الأيادي، شيئا من ” الماكياج” ، و شيء من الخطاب المنساب بهتانا عبر الإذاعات و كثيرا من مواقع التواصل الإجتماعي. تمكنت كثير من الحثالات من الدخول إلى الإعلام، فشوهت الرسائل، و ساهمت في نشر سلوكات سلبية و مضرة بالأخلاق في مفهومها المدني. و ظهرت كائنات ” إعلامية” أصبحت تشهر عداءها جهرا لقيم الشعب المغربي، و تقول بصوت رديء ” أنهم كلهم إسرائيلون “. و يصرون على التمادي في لغة خشبية لن تجر عليهم سوى اشمئزاز، و تحقير و كثير من الشعور نحوهم بضرورة الدعاء لهم بالشفاء من علة تحتاج إلى علاج و دعاء.
اصبح أغلب المغاربة يعرفون أن لا قيمة للغة خشب أو للغة القصدير في يومنا هذا . تعد استضافة من يقفون أمام القضاء ، بسبب شبهة فساد في تدبير الشأن العام ، في بعض الاذاعات الخاصة وصمة عار على جبين هذه الإذاعات. أصبحت ” البطولة “، لدى البعض، هي قصف الوطن بالنار و الحديد الكلامي، و الاحتماء بأعداء البلاد لنيل حظوة الظهور برمزية البطل الذي يقهر من مر بطريقه أو اعترض مسيره. كثر أشباه الأبطال في هذا الزمن الذين يتكلمون بشجاعة الثعالب، ،عن بعد، من شرق أو غرب أو شمال العالم. نعم يجب أن تحارب مؤسساتنا من أصبح يطغى علينا، و من ظهرت عليه بجلاء كل أوجه الثراء السريع، و غير المبرر. و يجب علينا كذلك أن نحارب بقوة كل سمسار يبني تجارته على ممارسة تخويف بعض ضعاف النفوس لجني أموال جراء ابتزاز، و لو باستعمال كل أساليب المافيا بإسم حقوق الإنسان، و السعي لمحاربة الفساد. من أراد محاربة الفساد، يواجه كل ممارسيه من الداخل بكثير من العلم و التحري . و سيظل دور الدولة أساسيا في دعم مواجهة كل من يحاولون اضعافها من داخل مؤسساتها. نؤمن بالوطن و بكل مؤسساته، و لا نحتمي إلا به ، و بكل مؤسساته.
أصبح المفوضون لأنفسهم مهمة الكلام عن المجتمع و الدولة و المؤسسات شرذمة لم يخترها أحد، و لا قال في حقها ذو عقل سليم، عبارة تقدير و إعتراف. أصبحت صناعة الاستديوهات مسألة يتقنها حرفيو الديكورات، و صانعو المقاعد الجلدية، و فرق مهنية في مجالي الصوت و الصورة. قبح الله مبدعي صباغة الأوغاد بكل الألوان. كانت دار البريهي شبه مقدسة طوال عقود من الزمن. تم تحصينها بكثير من المثقفين و المبدعين و بكثير من قواعد السلوك المواطناتي. لم يستطع الانقلابيون سنة 1971 أن يطوعوا المكان و لا الإنسان، فانسحبوا صاغرين. و تدخلت أصوات إذاعة طنجة لتزف إلى الوطن أن المغرب لا زال بين أيدي أمينة.
تعددت الاذاعات و الاستديوهات، و تملكت التكنولوجيا، و لكن أغلبها فقد الأهلية، و ضاعت من بين أيدي مسيريها مفاتيح ضبط الكلام المسؤول. فتحت كثير من الميكروفونات رغبة في إرضاء رغبات لأشخاص اضروا بالبلاد و العباد. و قال من يمتلك مفتاح الدخول إلى الاستديوهات، أن الحرية في التعبير تحتم ترك الكلام منسابا على لسان كل راغب في الكلام. يتملك الداخل إلى الاستيديو ترخيصا، مشكوكا في مسبباته، و كل الحقوق لتبرير وسائل الاغتناء غير المشروع، و وفتح كل قنوات استهداف الدفاع عن القانون. و يتحول الاستوديو إلى قاعة لإعادة تمثيل مرافعة ضد القضاء و آلياته بكثير من الاستهتار بالقانون.
ليس من حق كل إذاعة خاصة ، أو منتمية للقطاع العام أن تتدخل سلبيا في قضايا لا زالت رائجة أمام القضاء. و لا حق لأي مؤسسة إعلامية أن تستغل،ما أتيح لها من حريات لكي تمنح فضاء للظهور لمسؤولين يخضعون لمتابعات إدارية أو قضائية. و يحدث في بلادنا ما يجعلنا نشك في التعامل الإعلامي الخاص مع شخصيات هي موضوع أبحاث قضائية. و يتنطع بعض المسيطرين على الميكروفونات، و من يصرون على إستقبال من صدرت في حقهم أحكام، و تنتظرهم أحكام أخرى أكثر تأكيدا على قوة الشيء المقضي به. و الأكثر، من كل ما سبق ، ذلك الاستهجان الذي لحق ببعض المدن من أضرار بسبب فساد بعض مسيرين الشأن العام المحلي .
و لهذا وجب وضع حدود قانونية لا يجب أن تتخطاها الاذاعات الخاصة، و كذلك قنوات اليوتوب التي تبث داخل ترابنا الوطني . أما اؤلئك المبتزون المقيمون خارج الحدود ، و خصوصا المتعودون على الرشاوي مقابل التوقف عن التشهير، فمصيرهم التيه في صحاري الغربة إلى أمد بعيد . و لهذا أصبح من اللازم وقف التدهور الكبير الذي يشهده ما يروج في الفضاء الأزرق ببلادنا ، و ذلك الذي تسيطر عليه بعض الاذاعات الخاصة. أصبح هذا المشهد يساهم في صنع آليات تدمير الثقة في مؤسسات الوطن. يجب أن يتم منع كل مسؤول يخضع لمساءلة قضائية من دخول أي فضاء إعلامي مرخص له من طرف الحكومة. كما يجب أن تتم محاسبة كل المحتالين الذين يسيئون إلى صورة البلاد، و يقدمون أبشع الصور عن المجتمع المغربي.
و قررت إحدى الاذاعات الخاصة أن تقول للمغاربة أنها ذات قدرة على اعلاء راية بعض من يعاكسون رغبة في محاربة الفساد المستشري في بلادنا. يا من يدعون الهروب من لغة الخشب، افيقوا فالخشب محيط بكم، و حفظكم الله من كل مكروه. لا يجبركم أحد على اختياراتكم، و لكن التعامي عن فعل من يحاسبون أمام العدالة لا يشرفكم. حاولوا أن تسدلوا ثوب المصداقية النسبية على قواعد من تنتقون من ضيوفكم . لا تدفعون الناس أن يقولوا أنكم مجرد ” كلامنجية ” اجبرتهم لحظة إجتماعية على السكوت، و الكلام ، و ” دور يا كلام على كيفك دور “. لغة الخشب لا تحتاج إلى الاتجار” المعنوي” في الكائنات الخشبية . و كل مؤسسة إعلامية تستضيف من لا يستحقون الدخول إلى استديوهاتها ، و تنسى أن المواطن، هو من يحمي الوطن بقلبه، و بأولاده و بكل ما يملك ، لا يمكنها إعطاء أي درس في مجال المصداقية . و وجب تذكير هؤلاء بأن ملك البلاد هو حاميها، و أنه لم يتأخر عن إتخاذ قرارات بعزل كل من لا يخدم الوطن من كبار المسؤولين. و لقد ظهر بالملموس أن منظومتنا الإعلامية، بكافة مكوناتها الرسمية و الشعبية، تحتاج إلى الإصلاح و المحاسبة. يجب أن يخضع كل إعلامي لنفس واجبات الإقرار و التصريح بالممتلكات التي يخضع لها المسؤولون الحكوميون ذوي الاختصاصات في مجال النفقات و الصفقات و متابعة المداخيل الضريبية.
