آخر الأخبار

إلى أين نسير: المجهول  ومشروع قانون المالية 

إدريس الأندلسي 

لا أشك كما لا يشك الكثير من أبناء هذا الوطن أن الحكومة  لا تسير بنا إلى المجهول.  جاء مشروع قانون المالية لسنة  2023  كما جاء موسم يتسم بالجفاف  و يحبس الأنفاس بسبب أسباب،  داخلية  و خارجية ،حتى لا يجود العقل بشيء من التفكير بالعقل المتنور.  لأول مرة في المغرب يتفق الجميع على ضرورة الزيادة في النفقات العمومية  و يختلفون على أسلوب  و طرق تمويلها. كثير ممن أعرف أن  لهم إدراك بالصعوبات المالية التي نعرفها جميعا  و على رأسها ضعف مردودية الضرائب خاصة  و تدهور الموارد الجارية بصفة خاصة أصبحوا على وعي بالصعوبات. و الخطورة يا مواطني بلدنا السعيد أننا سنحتاج إلى تجاوز كل الحدود للاستدانة من الداخل  و الخارج. 

قد ابالغ في بسط الأرقام حسب البعض  و لكن الواقع هو ما  ورد في جدول المصاريف  و المداخيل الذي يوجد في  مشروع قانون المالية  كمعطيات عن صعوبات التمويل.  قراءة  ما يسمى بجدول التوازنات صعبة  و تحتاج للإيضاح.  قد يجد غير المتخصص بعض الصعوبات في قراءة الأرقام.  لكن يمكن أن نساهم في ترتيب مسالك الولوج إلى الفهم البسيط. 

خلال العام المقبل،  ستقوم الحكومة  بتطبيق أحكام تتعلق بتوازن موارد  و تكاليف الدولة.  الأمر يتطلب كثيرا من الصبر للوصول ضبط مبلغ النفقات  و مبلغ الموارد.  خلال السنة المقبلة يتوقع أن تصل حصيلة الضرائب المباشرة و  غير المباشرة  و حصيلة تفويت مساهمات الدولة ( أي الخوصصة)  و ما ستساهم به المؤسسات و  المقاولات العمومية ما لن يزيد على حوالى295 مليار درهم.  و هذه مصاريف جارية أي لا علاقة لها مع  الإستثمار. 

و سيوازي هذه الموارد الجارية  نفقات جارية سوف تصل إلى حوالي  302 مليار درهم.  وهكذا سوف نجد أنفسنا كبلاد  و كمالية عمومية في وضعية صعب و غير قادرين على تغطية نفقاتنا الجارية بمجموع مواردها. و للعلم يجب علينا أن ندفع كبلد ما يزيد على 155 مليار درهم للموظفين  و حوالي 65 مليار كنفقات لضمان مستوى عيش عال للإدارة العمومية  و لدفع ما يقترب من  31 مليار درهم لمواجهة فوائد و رسوم متعلقة  بالدين  العمومي. كل هذا يضاف إليه مبلغ مهم لتغطية  تحملات مشتركة  و غيرها من النفقات.  و بالطبع سوف نزيد على هذا  الضغط موارد  و نفقات الحسابات الخصوصية للخزينة  و المصالح المسيرة بطريقة مستقلة.  سوف نزيد من حجم النفقات العمومية لتصل إلى أزيد من  600 مليار درهم أي بزيادة أكثر من  80 مليار درهم عن سنة  2022.

المهم هو أن الدولة ستكون ملزمة على دفع أكثر من 78 مليار درهم كاستهلاكات لرأسمال القروض الداخلية و الخارجية.  و بالرغم من كل هذه الجهود التمويلية،  سوف تصل حاجيات الدولة التمويلية إلى حوالي  193 مليار درهم.  و سوف تلجأ الخزينة إلى الاقتراض الخارجي  و الداخلي متوسط  و طويل الأمد في حدود حوالي 129 مليار درهم.  و ستلجأ  الخزينة لتغطية أكثر من  64 مليار درهم عبر تجديد و استبدال سندات الدين  و أداء فوائدها.  و بالطبع لا يتم احتساب حجم الديون التي لا يتعدى أجلها سنتين في حجم ديون الخزينة.  و هذا خطأ محاسباتي  لطمس الحجم الحقيقي لحجم الدين.  و لقد تم تصحيح هذا الخطأ في المحاسبة العمومية لدى الكثير من الدول.  كل  دين تزيد مدة تسديده على سنة يدخل في المدى المتوسط.  و الأمر الأهم هو المقتضيات الضريبية الجديدة التي تم اقتراحها. 

ولكن الأمر الذي احدثته مقتضيات مشروع قانون المالية لسنة 2023 يتناقض مع ما جاء في القانون الإطار للجبايات   في مجال العدالة الضريبية.  كل ما  ورد من مقترحات تدابير متناقضة في مجال الضريبة على الدخل  و على الأرباح  و حتى على القيمة المضافة، يبين أن التحضير لمشروع قانون المالية كان مطبوعا بالسرعة.  وبكثير من الظن  سيكون من الصعوبة أن تتفق الأغلبية الحكومية على مقترحات.  و بالمقابل وجدت المعارضة  قليلة العدد ، كثيرا من العدة  لضمان مساندة جزء من الأغلبية لخطابها في إنتظار التصويت على مقترحات تعديلاتها. لخبطة عظيمة على مستوى وعاء  و مستوى تضريب أرباح الشركات.  و أكثر من هذا هجوم على الطبقة الوسطى التي يرتبط جزء منها بالمهن الحرة التي يمكن أن تخضع لضريبة على القيمة المضافة بسعر  20%. كل هذا مع العلم ان المستهلك النهائي هو مت من سيتحمل عبىء هذه الضريبة.  بدأت المعركة الضريبية مع المحامين و قد تستمر مع فئات اجتماعية أخرى.  المهم هو أن الحوار لا زال الغائب الأكبر  و قليل الأهمية للتقنوقراط الذين لا يؤمنون بالممارسة السياسية.   و لله الأمر.