كشفت مجموعة من الأحزاب المغربية عن المذكرات التي رفعتها إلى وزارة الداخلية، بينما اختارت أحزاب أخرى الصمت، في ظاهرة تعكس تبايناً في مقاربة التخليق السياسي والشفافية داخل المشهد الحزبي المغربي.
أحزاب مثل العدالة والتنمية، والتقدم والاشتراكية، وفدرالية اليسار الديمقراطي، والشورى والاستقلال قررت الإفصاح عن مذكراتها، وهو ما يعكس على ما يبدو رغبة هذه القوى في إظهار التزامها بالشفافية ومواكبة متطلبات العقلنة السياسية. ويرى محللون أن خطوة الإفصاح هذه قد تكون جزءاً من استراتيجية سياسية لبناء صورة إيجابية أمام الرأي العام، وإظهار استعدادها للانفتاح على الإصلاحات وتقديم برامج واضحة للمواطنين.
في المقابل، لم تفصح أحزاب مثل التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي، والاشتراكي الموحد، إضافة إلى 22 حزبا صغيرا عن مذكراتها. ويشير خبراء إلى أن صمت هذه الأحزاب قد يكون مقصوداً لأسباب سياسية أو تكتيكية، منها ما يتعلق بالخوف من كشف نقاط ضعفها التنظيمية أو البرامجية أمام الرأي العام أو خصومها السياسيين، فضلا عن عدم جاهزيتها لتقديم مقترحات إصلاحية ملموسة، مما قد يضر بمصداقيتها إذا تم الإفصاح عن محتوى مذكراتها قبل إعدادها بشكل نهائي ، إلى جانب حسابات انتخابية أو استراتيجية، حيث قد تختار بعض الأحزاب التريث لتجنب أي تأثير سلبي على شعبيتها أو تحالفاتها المستقبلية.
ويعتبر مراقبون أن الإفصاح عن المذكرات ليس مجرد خطوة شكلية، بل اختبار حقيقي لمصداقية الأحزاب والتزامها بالقيم الديمقراطية، وقدرتها على المساهمة في تخليق العمل السياسي. فالشفافية في هذا السياق تعني إظهار الأولويات، تقديم برامج إصلاحية واضحة، وتبني آليات لمحاسبة المسؤولين عن تنفيذ تلك البرامج.
أما الصمت، فيطرح تحديات كبيرة أمام جهود الإصلاح السياسي، لأنه يترك فراغاً أمام الشكوك حول نوايا بعض الأحزاب ومصداقيتها، ويضعف ثقة المواطنين في قدرة الأحزاب على الانخراط الجاد في عمليات التخليق والتطوير.
من جهة أخرى، يرى المحللون أن تباين المواقف بين الإفصاح والصمت يعكس أيضاً الانقسامات الداخلية للأحزاب المغربية حول مفهوم الشفافية والمسؤولية السياسية. بعض القوى ترى أن الإفصاح المبكر يتيح لها فرصة لتعزيز صورتها الإيجابية والسيطرة على النقاش العمومي، بينما يفضل آخرون الصمت إلى حين تحضير مقترحاتهم أو الانتهاء من ترتيب أولوياتهم الداخلية.
ويعتبر رفع المذكرات إلى وزارة الداخلية مؤشراً مهماً على استعداد الأحزاب للانفتاح والمساءلة، لكنها مجرد البداية في اختبار حقيقي لمصداقية النوايا السياسية. فالمراقبون يؤكدون أن الأحزاب مطالبة بمتابعة تنفيذ البرامج والمبادرات الإصلاحية على الأرض، وإظهار نتائج ملموسة تعكس جديتها في تخليق العملية السياسية ببلادنا.