آخر الأخبار

إذاعة مراكش الجهوية في الذاكرة الشعببة

. تخضع الإذاعات الجهوية بالمغرب قانونا لمقتضيات المرسوم رقم 2.294.67 الصادر في 6 محرم 1415 هـ، الموافق ل 16 يونيو 1994، وهو الإطار القانوني الذي يحدد اختصاصات وتنظيم إدارة الإذاعة والتلفزة المغربية قبل ان تتحول إلى شركة وطنية، إلا أن هذا القانون للأسف ظل يعتبر محطات الإذاعات الجهوية بعد إحداثها مجرد أقسام أو مصالح خارجية، مشيرا إلى انه سيصدر مرسوم آخر يكون خاصا بها، إلا أن هذا الأمر ظل معلقا دون ان يصدر، حتى الآن، أي مرسوم في هذا الشأن.

تعتبر إذاعة مراكش الجهوية في طليعة أقدم الإذاعات الجهوية بالمغرب، حيث تعود مرحلة تأسيسها الأولى إلى فترة الثلاثينيات من القرن الماضي (1936) من طرف الفرنسيين  الذين كانوا مبهورين للغاية بالمعمار العربي الإسلامي، ولعل هذا هو ما جعلهم يؤسسون لإذاعة مراكش الجهوية في معلمة ( دار سي اسعيد) بالمدينة العتيقة، والتي تعتبر بحق المقر الأول لهذه الإذاعة، وكان على رأسها أول مدير اسمه ( سي المعمري ) الذي كان ينحدر من أصل جزائري،حيث كان يقيم بمدينة مراكش، وكانت تبث برامجها خلال هذه الفترة يومين من كل أسبوع ( الأربعاء والسبت) لمدة ثلاث ساعات تمتد من الساعة التاسعة ليلا حتى منتصف الليل،وكانت برامجها خلال هذه الفترة التأسيسية تشتمل على الفقرات التالية:

آيات بينات من القرآن الكريم بصوت الشيخ الحاج محمد اكحل العيون، تليها نشرة إخبارية محلية قصيرة، ثم تقديم شذرات من المديح والسماع، إلى جانب وصلات من موسيقى الآلة (الموسيقى الأندلسية)، وكان يقدمها جوق طرب الآلة برئاسة الأستاذ عبد السلام الخياطي، الذي كان رحمه الله في طليعة الأساتذة الكبار الذين قد أسهموا في نشر تعليم الموسيقى الأندلسية بمتحف دار سي اسعيد بمدينة مراكش،وكان هذا الجوق الموسيقي يضم اكثر من عشرين عازفا كان من بينهم الشريف مولاي عبد الله الوزاني الإملاحي، والحاج بلفاطمي الشهبوني، والشريف مولاي الغالي الشرايبي والسيد تيميجا الذي كان يعزف على آلة الرباب والسيد بن الضالي وآخرين، وكان آنذاك يسمى ( جوق طرب دار سي اسعيد  تحت رئاسة  الأستاذ الشريف سيدي عبد السلام الخياطي) ، أيضا كانت إذاعة مراكش من دار سي اسعيد تقدم ضمن برمجتها بعض قصائد الملحون، وأهازيج شعبية محلية تتضمن في اغلبها شذرات من فن الدقة المراكشية،وبعض المختارات الغنائية الأمازيغية، كما كانت إذاعة مراكش من (دار سي سعيد) خلال تلك الفترة تقدم بعض القصائد الشعرية التي كان يلقيها بعض شعراء المدينة الحمراء احتفاء بالمناسبات الوطنية والدينية.

وكان أهل مراكش يتابعون عبر أجهزة الراديو [ ترانزيستور] تلك المواد التنشيطية والإخبارية من هذه المحطة الإذاعية الجهوية منذ بداية تأسيسها ، برغم بساطتها، ، وذلك مساء يومي الأربعاء والسبت من كل أسبوع ، لمدة ثلاث ساعات : من التاسعة ليلا حتى منتصف الليل .

أما عن الجانب التقني بإذاعة مراكش الجهوية خلال مرحلتها التأسيسية الأولى هذه، فقد كانت تعتمد وسائل جد بسيطة، وغير متطورة، ومن الطريف انه كان يشتغل بهذه الإذاعة خلال تلك الفترة إطار واحد كان يقوم بمهمة التذييع، وكان في وضعيته الإدارية تابعا لوزارة الصناعة التقليدية، اسمه الســــــــــيد ( أحمد بوركبة bouragba ) ،وهو شقيق الفقيه العلامة الحاج محمد بوركبة الذي عين خلال فترة من الفترات وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية، والذي يعتبر بحق أول مذيع بإذاعة مراكش الجهوية  في مرحلتها التأسيسية الأولى، حيث كان هذا الإطار هو من يفتتح الإرسال، ويعد ويقدم الأخبار ويقوم بالتنسيق والربط بين الفقرات،إلى جانب تقني واحد كان يقوم بتشغيل بعض الآليات البسيطة داخل أستوديو صغير للغاية، كما كان يشرف على مراقبة جهاز الإرسال، وكان الإشراف العام على هذه الإذاعة في تلك الفترة للفرنسيين، واستمرت إذاعة مراكش الجهوية في إرسال برامجها وفقراتها بهذه الصيغة البسيطة في كل شئ  خلال مرحلتها التأسيسية الأولى، وكان لها متتبعون من المستمعين من أهل مراكش ،وذلك حتى عام 1953 لتتوقف عن البث بصيغة مفاجئة، ولأسباب مجهولة، لتعود عام 1958 ، وبعد حصول المغرب على استقلاله، إلى بث برامجها المحلية من جديد، ومن متحف (دار سي اسعيد) ، كان مقرها الأول، ينتقل مقر الإذاعة الجهوية المراكشية، بعد استقلال المغرب، إلى مقر آخر جديد كان عبارة عن (فيلا) سكنية بحي جليز،إلا أن الشروط التقنية الإذاعية لم تكن تتوفر بهذا المقر الجديد، وفي عام 1968 تم تدشين المقر الجديد للإذاعة الجهوية لمدينة مراكش، وهو مقرها الحالي بحي جليز( زنقة يوغوسلافيا)،وكانت في البداية تتوفر على أستوديو واحد فق ،إضافة إلى مكتب لرئيس المحطة، ومكتب لرئيس المصلحة التقنية، وخزانة بالطابق الأرضي خاصة بالأشرطة والأرشيف،وامتد هذا الوضع حتى عام 1994 مع عقد مؤتمر ( الكاط ) لتعرف معه إذاعة مراكش الجهوية عدة إصلاحات وترميمات، أسفرت عن تعزيزها بأستوديو آخر جديد، بمعدات  تقنية حديثة، ولازال هذا الأستوديو حتى الآن يستعمل للبث المباشر وللتسجيل أيضا، كما تم إحداث العديد من التعديلات الأخرى التي شملت شكل البناية، بحيث قد تم تحويل  الطابق العلوي من المحطة إلى مكاتب إدارية إلى جانب مكتب لرئيس المحطة ، في حين ما تبقى من البناية في الطابق الأرضي تم تخصيصه للتقنيين والمنتجين والصحفيين.

رؤساء تعاقبوا على إدارة محطة إذاعة مراكش الجهوية:

تعاقب على إدارة  إذاعة مراكش الجهوية مجموعة من الأطر من ذوي الكفاءات المهنية  التي لها وزنها عندما نتحدث عن العمل الإذاعي الذي يرتكز على أسس مهنية وجيهة، وهم السادة:                                                                                      السيد الأزدي (لفترة قصيرة )، بعده تم تعيين السيد أحمد السعيد العلوي إلى غاية سنة 1970  ( عين بدوره لفترة جد قصيرة في هذه المهمة).

ـ السيد احمد الريفي: من 1970 إلى 1992.

ـ السيد عبد السلام زيان : من 1992 إلى غاية 2004

. السيد عمر بلشهـب رحمه الله : من 2004 إلى غاية  2008، وهي السنة التي غادرت فيها عملي بهذه المحطة الإذاعية العريقة، فلم اعد اهتم  لما يجري بها من أحداث، وذلك لانشغالي بتجربة مهنية أخرى مع الإذاعة الخاصة، وللإشارة، فقد كانت إذاعة مراكش الجهوية على عهد هؤلاء الأساطين تتوفر على مخطط إذاعي وجيه وعام، يتضمن شبكة برامج  شاملة ومتنوعة للغاية، تستجيب لما تتطلبه خدمة المستمع إعلاميا على مستوى مختلف الواجهات، وقد سجل إذاعة مراكش الجهوية على عهد من ذكرت من رواد الإعلام السمعي، مكانة رفيعة أهلتها أن تتسنم المكانة الثانية  وطنيا ،بعد إذاعة طنجة، وقد أهلتها لهذه المكانة، في الزمن الجميل للإذاعة، تنوع برامجها التي كانت مفتوحة على الهواء ملبية حاجيات المجتمع المدني بمختلف الشرائح، فكانت هناك برامج لرصد مختلف القضايا الاجتماعية، وبرامج أخرى موجهة للاهتمام بالشباب وقضايا المرأة، وبرامج أخرى للترفيه، إلى جانب البرامج الثقافية والأدبية والفنية، وكانت تتوفر على مذيعين قد برعوا في تقديم هذه المأدبة المتنوعة من البرامج الراقية والوجيهة، بأصوات لازالت خالدة حتى اليوم في ذاكرة مستمعي أهل مراكش.

إذاعة مراكش الجهوية أحسن إذاعة عام 1999

لا زلت أتذكر، وأنا أتابع إحدى حلقات ( مرآة الأثير) الذي كان يقدمه الإذاعي المميز محمد بلال ، والتي كانت مخصصة للاستفتاء الإذاعي الذي نظمته الإذاعة المغربية المركزية بالرباط، وقد أسفر هذا الاستفتاء في صيف سنة 1999 على أن إذاعة مراكش الجهوية  تحتل وعن جدارة واستحقاق  الرتبة الثانية كأحسن إذاعة جهوية بعد إذاعة طنجة.

بقلم أحمد رمزي الغضبان / إذاعي سابق بالإذاعة الوطنية/إذاعة مراكش الجهوية، ومعد ومقدم برامج حاليا بإذاعة خاصة بالمغرب.