آخر الأخبار

أمريكا و الأوضاع العربية الشرقية – 7 –

لهذا ” التقلقل الحضاري ” جذوره البنيوية الداخلية ، بين دولة علمانية فوقية النشأة إلى حد كبير وبين مجتمع حافظ في المقابل ، وبوثيرة بطيئة ، على تراثه الإسلامي الطرقي بوجه خاص ، ومن بين أحضانه خرجت الحركة الحزبية الإسلامية لأربكان ثم حزب العدالة و التنمية المنشق عنه والذي تلقى هو الآخر دعما قويا من جماعة ( عبد الفتاح غولن ) الطرقية و الخدماتية ، وكانت عنصرا أساسيا في فوزه الإنتخابي ووصوله إلى الحكم ، قبل أن ينقلب أردوغان عليها ، لإتهامه لها بتدبير الإنقلاب الفاشل ( 2016 ) . و استمرار الإعتقالات غير المألوفة في أي تأمر إنقلابي . لأن أعدادها بعشرات المئات في جميع مفاصل الدولة والمجتمع ! يؤكد من جانب آخر ما قلته عن الانغراس العميق للحركة الطرقية في المجتمع .

لقد مثل حكم حزب العدالة والتنمية أجلى صورة لهذا التقلقل الحضاري . وقد رأيناه مسی استراتيجيته الدولية من حلم تراث الإمبراطورية العثمانية ، معتبرا أياه الامتداد الجيوبوليتيكي والمجال الحيوي للدولة التركية ولزعامتها ، و يشمل بالدرجة الأولى جميع أوطان انتشار الإثنية التركية ، ثم للقوميات الأخرى التي اندرجت سابقا في الإمبراطورية العثمانية . وهذا ما اعتبره وزير الخارجية السابق المنشق ( أوغلو ) ما يشكل العمق الإستراتيجي لتركيا . وليس الخلاف هنا على المبدأ ، وإنما على الطريقة الهيمنية التي تتقاطع مع المآرب الأمبريالية الأمريكية في أكثر من محل ، بدل أن تكون رافعة للتعاون المثمر والتحرري بين جميع قوميات وأوطان تلك المرحلة التاريخية العثمانية . إنها إيديولوجية قومية استعلائية ، كما هي أيديولوحية . حليفه الرئيسي الوحيد ” الحزب القومي التركي ” ، مع مسحة اسلاموية وظيفية ( وليست عقائدية كما عند الحركات الإسلامية العربية ) عند الأول ولائكية صرفة عند الثاني ، وبصرف النظر عن الكيفيات الدقيقة لسياسات تركيا في العديد من مواطن التوترات معها ، في سوريا والعراق وليبيا و في الحرب بين أدريبيدجان وأرمينيا ومع بعض دول الخليج تجاه قطر سابقا ومع دول أوروبية في شمال المتوسط و الإيغور في الصين وغير ذلك ، فإن الحصيلة العامة جعلت تركيا لا تستقر على اتجاه ولا ثقة فيها من حلیف ثابت ، وخاصة في المنطقة العربية التي مارست فيها أساليب الاحتلال أو التدخل العسكري المباشر فضلا عن تزعم الاستقطاب السياسي للحركات الاسلامية في المنطقة العربية . في ذروة صدامات ما سمي بالربيع العربي وإلى اليوم . ولأن تركيا أردوغان وجدت نفسها محاطة ببؤر التوتر التي افتعلتها أو ساهمت فيها ، ولأن عوامل داخلية أخرى كانت ضاغطة ، ومنها ، انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية وتعرضه لانشقاقات متتالية ، وخسارته في الانتخابات المحلية لمدن کبری ( أنقرة واسطنبول وأزمير )