آخر الأخبار

أعيان فاس و ” استعطاف ” من أجل والي مدينتهم

إدريس الاندلسي

لم نشهد خلال ربع قرن أن تراجع ملك البلاد عن قرار اتخذه. لقد سبق له أن عزل وزراء و رؤساء مؤسسات عمومية بسبب ضعف أداء أو غياب نتائج قطاعية مرتبطة بتدبير عمومي. أظن أن أصحاب رسالة استعطاف في شأن والي فاس قد غابت عنهم معطيات منهجية تهم المحاسبة في مثل هذه التوازل, وخصوصا حين يتعلق الأمر بقرار تم اتخاذه في ظروف تطلبت تدخلا ملكيا حكيما و ذو أبعاد إجتماعية و اقتصادية و دينية.
انتشر سريعا خبر إعفاء واليي مدينتين عريقتين كانتا في قلب الحضارة المغربية ، و شهدتا احداثا تاريخية في دولة امتدت من الادارسة إلى الدولة العلوية ،مرورا بإمبراطوريتي المرابطين و الموحدين . مراكش و فاس ستظلان في قلب تاريخ المغرب. و يظل كل من حل بهما على علم بثقافة و بتاريخ المخزن كمؤسسة عريقة. و يجب على كل من تولى أمر الولاية في أية جهة في المغرب أن يكون على علم عميق بطقوس كل المؤسسات التي تؤثت كل زوايا السلطة السياسة و الدينية و تدبير التراب الوطني بالمغرب. و إن أخطأ من حظي بالتكليف، أو غابت عنه بعض القواعد، أو تناسى أهمية التقاليد في تدبير صورة السلطة المركزية، فلا يمكن أن يستعيد مكانا أو رتبة، أو منصبا وصل إليه بعد جهد ، و كثير من الحيطة و الحذر. و كان أن حصل ما حصل في أول يوم من عيد الأضحى. امتدت أيادي الواليين لكي تمسك بسكين كبير وسط جمع من المسؤولين، و بعض الجزارين الذين يتقنون فن الدعاء قبل اخضاع خروف إلى طقوس تنتهي بنحر، ثم نقل الذبيحة إلى بيت الإمام، بنفس الطريقة التي تتم في حفل يتراسه أمير المؤمنين، و يتم نقله مباشرة على القنوات الرسمية. حدث ما حدث في فاس و مراكش، و شاء القدر أن لا يتم ضبط الطقوس ، ثم وجد واليين نفسيهما في وسط زوبعة أدت إلى صدور قرار بالعزل من أكبر المناصب في الإدارة الترابية بالمغرب. من ذا الذي كان حاضرا و لم ينبه الواليين إلى خطورة ما اقدموا عليه. هذا هو المغرب ، و هكذا توالت العقود و القرون التي تجدر خلالها بناء من الأعراف و التقاليد و البروتوكولات و المؤسسات التي نلخص تسميتها في المخزن.
وصل الخبر إلى وسائل الإعلام، و لم تنقله بكثافة سوى مواقع التواصل الاجتماعي. و تم التعامل مع هذا العزل بكثير من التعليق و بعض الاجتهادات المفسرة للطقوس المخزنية. يعلم الجميع أن صدور قرار بعزل وزير أو والي أو مدير عام لا يقبل استئنافا أو استعطافا. ولكن الحدث الذي آثار الملاحظين غداة إعفاء الواليين هي تلك الرسالة التي وجهت إلى ملك البلاد بإسم سكان فاس. تمت صياغة رسالة الاستعطاف بشيء من التسرع في الصياغة. و كان هناك شرخ بين من يكتب الرسالة بصيغة الجمع، و لكنه يرجع إلى صيغة المفرد في بداية كل من الفقرات الثلاثة الأولى من الرسالة. و يعضد أصحاب الرسالة دفاعهم بالتركيز على شخص والي فاس ذو الأصول الفاسية، و المتصف بشيم العمل المتواصل من أجل تنزيل كل المشاريع على أرض الواقع.
أثارت هذه الرسالة ” التضامنية ” التي كانت عاجزة على تبرير ما أقدم عليه السيد الوالي السابق. و كان من الاجدى عدم التطرق للأسباب و المسببات التي حولت صلاة عيد إلى مخالفة لقرار ملكي هدفه رفع الحرج على فئات كبيرة من الشعب المغربي. لم يقم أهل مراكش ، و بالأخص شخصياتهم التقليدية، بنفس المبادرة، و ذلك لأنهم يعرفون أن القرار الملكي القاضي بالعزل لن يكون موضوع استعطاف بعد أن صدر توجيه ملكي إستراتيجي لا يقبل أية قراءة غير السهر على تطبيقه. لا أدري من كتب الرسالة و من رتب فقراتها، و من ركز على انتماء الوالي لمدينة فاس. و قد وجب التذكير بأن كافة المصالح الخارجية ، بما فيها ممثل وزارة الأوقاف، و ممثلو الهيئات الأمنية، كان عليهم التنبيه بمخالفة ما كان سيحصل لتقاليد البلاد، و عدم ترك الأمر بيد بعض الجزارين الذي أصبحوا يتقنون نحر الأضحية، بالإضافة إلى حفظ أدعية و تدبير مناسبات دينية. كان على والي مراكش و والي فاس أن ينتبها إلى أن الأمر خطير في ظل نقاش سياسي و حكومي و مجتمعي حول أضحية العيد. و ستسمر أخطاء بعض العمال و الولاة الذين يتوفرون على تكوين في مدارس عليا للمهندسين خارج المغرب. الإدارة الترابية تتطلب الكثير من المعرفة بثقافة المغاربة و تقاليدهم و بكل مكونات الايديولوجية و التوجهات الدينية التي تسيطر على المجال الترابي. التدبير الترابي مفهوم عميق يتطلب معرفة دقيقة بالقانون و بسياسية التعمير في ظل تعدد الأنظمة العقارية في بلادنا. إن التركيز ، بشكل كبير، على المهندسين في تدبير الإدارة الترابية يضع بعضهم أمام تحديات لا تدخل ضمن تخصصاتهم و تكوينهم الأكاديمي . و هكذا نجد أن المهندس يواجه مشكلا في مجال التعمير ، و في تدبير المجالس الترابية، ثم يلجأ إلى المؤسسات الأمنية لكي تتواجه مع الرافضين للقرار التعميري. و بإختصار وجد معاذ الجامعي من يدافع عنه من أبناء مدينته. و لم يتضامن أحد مع الوالي شوراق الذي سيحزم حقائبه للرباط أو للجهة الشرقية دون استغاثة بأحد. قال بعض الملاحظين أن الواليين كانا ضحية لمن يفوقهم علما بالثقافة السياسية و الإجتماعية. و وجبت الإشارة إلى أن تقليد الطقوس المخزنية أصبحت ظاهرة خلال حفلات الأعراس، و حفلات العقيقة و كثير من المناسبات. و من يعيش وسط بني جلدته في افراحهم و اقراحهم يكون قد أمتلك ذلك الذكاء الإجتماعي الذي يمكن من التمييز بين المباح و غير المباح.