إدريس الأندلسي
كان يتم في زمان ، ليس بالقديم ، تنظيم طقوس خاصة للسيطرة على أراضي الهنود الحمر في أمريكا، بعد تصفيتهم، و ذلك عبر تمكين ذوى القوة و القدرة على امتلاك الأراضي بالقوة و التقتيل. و كان يتم، في نفس هذا الزمن ، إطلاق العنان للآلاف للبحث عن الذهب عبر هجرات ينتصر فيها الأقوياء، وينهك خلالها الضعفاء، و تهجر القرى بعد الإنتهاء من حملات البحث عن الذهب. و خلال كل الحملات التي تستهدف السكان الأصليين بغرض ابادتهم، لا يسلم الافراس من إطلاق رصاصات ” الرحمة” ان ظهرت عليهم علامات ضعف أو مرض. و نفس الهمجية المنظمة استمرت، من طرف المهربين و القراصنة الكبار الذين أسسوأ أول و أكبر المؤسسات البنكية ، وهم من سيطروا على القرار المالي و الإقتصادي و كونوا اللوبيات التي تقرر في شكل و أعضاء المؤسسات السياسية. و أصبحوا بعد قرنين من الزمن سادة العالم و أكبر مستفيد من حرب عالمية ثانية دمرت قارة أوروبا. و لم تتدخل أمريكا في هذه الحرب إلا بعد أن تم حسم الأمر، و خسران النازية أمام قوات الإتحاد السوفياتي قبل انقسامه إلى دول و دويلات.
و يرجع التاريخ دورته الخلدونية ليعيد إنتاج البلطجة المؤسساتية بكل تفاصيلها. سقط “سيزيف ” و افلتت الصخرة من يديه لتهدم مؤسسات و دول و قيم و قانون دولي. وصلت الصخرة، بفعل فاعل يتحكم في صنع المنعرجات المنحدرة ، و قبول مفعول به إلى قلب الترف و الغنى في الخليج الفارسي العربي الذي أصبح أمريكيا أيضا في هذا الزمن . وصل ترامب المعجون، ايديولوجيا بثقافة المبارزات و الكازينوهات و المعبرة عن عنف ” الكوبوي” رغم تلوينه بأخلاق ” الشجعان” من طرف مزوري التاريخ في استديوهات هوليود. سافر ترامب إلى قلب الخليج و قرر بدء موسم حصاد و جني أكثر من 2000 مليار دولار. كان مجدا في سعيه كرسول يدعي أنه وهب كل قوى بلده لحماية بلدان غنية يعتبرها صغيرة و ضعيفة. تواضع حين قرر السفر، و مصافحة أمراء في قصور كل سقوفها نقش بالذهب ، و كل ارضياتها مرمر يلمع كالزمرد و المرجان و اللؤلؤ الشفاف. شعر ترامب بتعاطف مع مضيفيه و قبل معانقتهم لأنهم ” يحتاجون ” دفئ عاطفته نحوهم.
ستأخذ عمليات توظيف 2000مليار دولارا كثيرا من الوقت لإنتاج الصواريخ و الطائرات و السفن الحربية ذات الطابع الدفاعي فقط. و سيظل ترامب خادما لمن صنعوه كما صنعوا إسرائيل. خصصوا له هدية أمريكية الصنع تطير بأحدث تكنولوجيا شركة بوينغ بعد فحص تقني و أمني عميق ، لم يشكرهم على الهدية التي أعتبرها موجهة لسلاح الجو الأمريكي. سقط القناع عن القناع. و كادت دول خليجية أن تهديه أغلى ما تملك. و كان غير مهتم ، و لا غير عابئ بوضع دول الخليج التي تقع في مثلث عنف تاريخي بسبب موقعها، و ثرواتها و شراسة محيطها المباشر العربي و الفارسي و التركي. التزمت هذه الدول باستثمارات تفوق قدراتها التمويلية، و لكنها وضعت استقرارها فوق كل التوازنات المالية و النقدية. ستضطر المملكة العربية السعودية للجوء إلى الاستدانة الخارجية للوفاء بالتزاماتها إتجاه ترامب ليتجاوز حجم مديونتها الخارجية 50% من الناتج الداخلي الإجمالي. و ستسعى دولة الإمارات و و دولة قطر إلى سلوك طريق تعرفه جيدا. كانت أمريكا لا تعطي قيمة لتوجهاتها العسكرية منذ أزمة أفغانستان سنة 1979. تم تجنيد آلاف الشباب بقيادة بن لادن لمواجهة قوات الإتحاد السوفياتي. ظهرت ” القاعدة ” برعاية أمريكية، و بكثير من الرضى الغربي. و كان للغرب كلمته في من عاهدوه في أفغانستان. انقلبت قواعد اللعبة بين القاعدة و من خلقوها و أسسوأ قواعدها. و لم يمر الطلاق دون عنف في كينيا و أديس أبابا. تم الطلاق بين القاعدة و أمريكا، و استقر بن لادن في السودان. شاءت الأقدار المهنية، خلال عملي بالمصرف العربي للتنمية الإقتصادية في أفريقيا، أن أرى عن قرب تجوال بن لادن في الخرطوم. و شاءت الظروف أن أرى إنسانا كثير الحركة و النرفزة في شوارع و نوادي الخرطوم. عرفت بعد شهور أنه ذلك المناضل الذي آمن بالقضية الفلسطينية و الذي كان يحمل إسم ” كارلوس “. عرفت بعد حين أن حكومة الاسلاميين، و بموافقة من الدكتور و المرشد الدكتور الترابي، وافقت على تخدير ” كارلوس ” و نقله إلى باريس حيث حكم عليه بسنوات سجنية طويلة. وجاء وقت خلق مستعجل و غريب لجيش عرمرم مسلح بشكل غريب أطلق عليه إسم داعش. احتل نصف العراق و سوريا و تمكن من تمويل عملياته بملايير الدولارات التي وفرت له بفعل فاعل حول المنطقة إلى بؤرة جمعت كثيرا من الجنسيات برضى غربي مغلف بنفاق دبلوماسي مثير للعجب.
و ضحك الغرب كثيرا على النخب العربية، و على الأنظمة أيضا. فرح بعض القادة العرب بعلاقاتهم بحكومات أمريكا و الغرب. و كان أن غدرهم هذا الغرب ،و قدم إليهم الوهم فصدقوا أن قيم الديمقراطية ، و العدالة ، و المساواة ، و حقوق الإنسان بناء صامد إلى الأبد. و لكن حقوق الغدر و انتهاكات حقوق الإنسان كانت الأقوى في مواجهة كل الشعوب، و على رأسهم شعب فلسطين في مواجهة الصهاينة. و لا زال الغرب يؤمن بأن يهود شرق أوروبا ” الخرز” هم الأحق بأرض ليست لهم، و بكل الحقوق لقتل الأطفال، و النساء و الشيوخ. تطفو على السطح، لساعات بعض الأصوات في مؤسسات الغرب لقول الحقيقية أمام جرائم إسرائيل. و تستمر عمليات التقتيل و التصفية العرقية بأسلحة أوروبية و أمريكية.
و ترتفع الأصوات الإستعمارية الصهيونية كلما حاول الفلسطيني الدفاع عن أطفاله. أخذ الرئيس الأمريكي ترامب آلاف ملايير الدولارات بخنوع دول خليجية. رحل بسرعة، و وجه كلمات حملت كثيرا من معاني الوصاية على من قابلهم. لم يقم بأي جهد عسكري، و لا عرض قوات المارينز لأخطار حربية. و ظل الأهم هو السيطرة للأبد على الخليج. تكلم بكثير من القوة و الثقة الزائدة أنه قائد يقرر في حجم تكاليف حماية الخليج. و لا يمكن اعتبار عملية حصاد ملايير الدولارات التي تمت بنجاح في أيام نهاية مسلسل. الغد سيسجل تحويل منطقة الخليج لولاية أمريكية مذرة لدخل يعيد كل التوازنات المالية للخزينة الأمريكية.
لن أقول أن هذا الواقع الجديد الذي خلقه ترامب سيقف في عند نقطة معينة. لا زال الوقت طويلا قبل نهاية عهدة ترامب. و لا زالت غزواته للسيطرة على أموال الخليج مستمرة. أما القادم من الأيام، و الشهور، و السنوات، فمن المستحيل تصور توقف دول الخليج عن الانصياع لأوامر ترامب التي لن تتوقف. و سيظل خوف أمراء الخليج من مخاطر محيطهم، سببا في قبول أوامر برمجة تمويلات لصالح تمويل اقتصاد أمريكي لن يتغلب على اقتصاد الصين. و ستظهر بلاد الشرق، صاحبة ثقافة العمل في الصمت، قدرة خيالية في كافة الصناعات، بما فيها، صناعة آليات الحروب المستقبلية.
و يظهر أن بعض دول أوروبا قد بدأت تعي أسرار الإرادة الإسرائيلية إتجاه الشعب الفلسطيني. تحركت ألمانيا و فرنسا و إنجلترا، و قبلها تحركت إسبانيا و أيرلنديا و بعض دول شمال القارة ” العجوز لتشجب أعمال إسرائيل الإجرامية. شعرت دول آسيا بالمهانة من تصرف إسرائيل، و وصل الأمر إلى إحراج الصين التي هددت بتحويل إسرائيل إلى جهنم إن هي هاجمت عمليات إغاثة شعب فلسطين. قد تشعر الحركة الصهيونية بغياب المحاسبة الدولية، و لكنها لا تدري أن كل أطفال العالم، و كل شباب العالم، و كل مناضلي العالم، و كل دول العالم ستتخذ قرار معاقبة أبناء هتلر من النازيين الإسرائيليين. و لن يتم اكتساح غزة دون دمار إسرائيل. بدأت إسرائيل بعصابات الهاغانا و الايركون في الأربعينات من القرن الماضي، و ستنتهي في حضن محاكم الإنسانية جمعاء. قاتل الأطفال و النساء و الشيوخ لن يفلت من العقاب. محاكم العالم ستتجاوز محكمة نورنبرغ، و ستكيف أعمال الإبادة الإسرائيلية، كجرائم حرب ، و كجرائم ضد الإنسانية. لقد اقتربت ساعة الحساب. و لقد اقتربت نهاية علاقة أمريكا بمجرمي الصهيونية الذين اساؤوا لأمريكا، و للإنسانية جمعاء. قبل أيام حل ” ترامب ” بالخليج لينقذ اقتصاد أمريكا. قال قبل أسابيع لرئيس أوكرانيا أن أسلحة أمريكا ذات تكلفة وجبت تغطيتها بمعادن نادرة و ثروات ذات سعر مرتفع. و نفس الخطاب قد يطبق على عصابة نتنياهو و حلفاؤه النازيون الصهاينة. قالت الصين أن هؤلاء قد يعرفون جهنم، و الكل يعرف أن الصين لا تكذب، و لن ترضى، رغم مصالحها العليا، على أن تسيطر عصابة صهيونية على مستقبل العالم. و يجب التذكير على أن الصهيونية عدوة لليهود الأصليين الذين عاشوا في الكثير من الاقطار، و تعايشوا مع كافة الشعوب بمختلف معتقداتها في كافة بقاع الأرض. حماقة الصهاينة احرجت أمريكا و أوروبا. من يتجرأ على تدمير المستشفيات و تمزيق جثث الأطفال و الخدج منهم داخل الحاضنات، لا يمكن أن يكون صديقا لأحد على الأرض. و هكذا صنع نتنياهو و المجرمين المحيطين به وعيا عالميا بخطورة النازية الجديدة التي يقودها. و غدا تبدأ محاكمات مجرمي الحرب الصهاينة. و غدا تنقلب شعوب أوروبا و أمريكا على صناع الكذب و مبرري حرب الإبادة في فلسطين .