آخر الأخبار

أزمة القاعدة القانونية في القانون المغربي

*عبد الله العلوي

القاعدة القانونية –إجمالا- عامة ومجردة وملزمة ونافذة، وهي في تعريف النص القانوني المصاغ في مادة أو فصل من أجل القيام بعمل أو النهي عن عمل أو عن ارتكابه. وقد تكون مستندة إلى شريعة أو عرف أو نص مقتبس من قوانين أجنبية أو لسد حاجة ما في مرحلة ما أو بضغط من جماعة ما.
ويبدو أن القاعدة القانونية بالمعنى السالف تعاني أزمة شديدة الوطأة، فخلال العقدين الماضيين عرفت القوانين ككل أو جزئيا نصوصا أو موادا في قانون ما تغييرات وتعديلات متتالية، مما أدى إلى ارتباك حتى في استقرار المعاملات والعائلات لكون القوانين تصدر عن جهات معينة ولا يشارك فيها -غالبا- الذين تطبق عليهم، وتتجلى أزمة القاعدة القانونية في:
إبداع الناس “قوانين ” مناسبة لهم.
الطعن العام في الأحكام القضائية.
التعديلات المتتالية في نصوص القوانين.
أ
تتجلى أزمة القاعدة القانونية في كون الناس يبدعون قوانين أو تعاملات ذات أبعاد جماهيرية تصبح ملزمة حتى للمحاكم، وتصير مع المدة والانتشار مفروضة ونافذة رغم أنها بدون قانون منصوص عليه، فالرهن العرفي أصبح جاري به العمل في المغرب لكون الكراء لا يستطيع أداءه الجميع، فاتفق الناس على أداء مبلغ سلف مقابل السكن مجانا لمدة معينة أو بمقابل زهيد ويسميه الفقهاء سلف جر نفعا. وظاهرة الرهن صارت قاعدة اجتماعية جاري بها العمل في مدن وقرى عديدة، ويبدو أن بدايتها من مدينة مراكش، وهي الآن في شمال وشرق المغرب.
الإبداع الثاني الذي وصل أرقام فلكية “دارت” ، فقد كانت “دارت” مجرد دعوة للغذاء أو العشاء وحفل ينتقل من شخص إلى آخر، وقد تحولت كل “دارت” إلى مصرف صغير يتضخم مع مرور الأيام، ف”دارت” قد تكون بدايتها مئة درهم للفرد، وأحيانا مئة ألف درهم، فكل شخص من جماعة ما قد تكون عشرة في الأغلب تؤدي مبلغا معينا كل شهر ويُسلم المبلغ الإجمالي إلى أحد العشرة وتدور ويستفيد الجميع، وينقذهم ذلك من السلف بالربا أو السلف من البنك الذي لا تنتهي مدده حتى بوفاة المقترض، والأموال التي تدور في “دارت” أعتقد أنها قد تتجاوز السيولة في الابناك. وقد التجأ لها الأغلب من المتعاملين، ونظرا لأنها مبنية على الثقة والائتمان فهي تعرف نجاحا مطردا، ويبدو أنها اقتُبست من ما يسمى بالجمعية في مصر. وهناك أشكالا عديدة من التعاملات التي حلت محل القوانين أو النصوص القانونية وهي تتعلق بأعراف لها طبيعة جغرافية أو مهنية، وفي المحصلة توضح أزمة القاعدة القانونية في هذا الصدد.
ب
أيضا الطعن في الأحكام القضائية ، فهناك حوالي 7 ملايين ملف قضائي في كل سنة لبلد لا يتعدى عدد سكانه ال 34 مليون نسمة، فالمتقاضين يطعنون في الأحكام لعدم اقتناعهم بها حتى لو كانت عادلة، فقد تمنعهم أنانيتهم أو رفضهم للقانون أو اعتقاداتهم أنهم على حق في القبول بالأحكام فيلتجؤون إلى الطعن بالتعرض أو الاستئناف أو النقض ، مما أدى إلى إنشاء عشرات المحاكم الإدارية والتجارية والعادية، بل أن محكمة النقض حتى زمن قريب كانت تتوفر في الغرفة الجنائية على 2 أو 3 أقسام، والآن تجاوزت ال 13 قسم، والإدارية 3 أقسام والتجارية 3 أقسام والمدنية 8 أقسام، رغم أن الطعن بالنقض يوجب المحامي وأداء المصاريف القضائية، ومع ذلك فالمتقاضين يطعنون ولا يقتنعون بالأحكام، مما فتح المجال لاقتصاد الجريمة وبناء السجون وانتشار الخصومات والرشاوي والنصب.
ج
تبقى التعديلات القانونية والتي تقوم بها السلطة أو بالضغط من جماعات معينة لأسباب مختلفة ، وقد يكون وراءها مصلحة لفئة معينة أو محاولة لتغيير عقائدي أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو فوبيا، وقد يتدخل الأجانب أو المكلفين منهم بذلك داخليا بإجراء حملات عامة وقوية لتعديل أو إبداع أو إلزام الجمهور بقوانين معينة أو محددة ، ولما كانت القوانين المقترحة من البرلمان نظريا على الأقل تكاد لا تذكر، فالأمانة العامة للحكومة هي التي أصدرت أو اقترحت أغلب القوانين أو المراسيم في حال وجود أو عدم وجود البرلمان. لذلك فإن القوانين تصدر في غياب الذين تنفذ عليهم وقد تعتريها عند التطبيق عوارض فيضطر القضاء –خاصة المجلس الأعلى سابقا- أو محكمة النقض للتدخل لإعادة تفسيرها، وقد تفسر بشكل متناقض من قرار إلى آخر، فمثلا عندما بدأ العمل بالتطليق للشقاق في 2004، كانت المرأة /الزوجة تأخذ مبلغ المتعة سواء تقدمت بطلب التطليق أو تقدم به الرجل /الزوج، لكن بعد صدور قرار محكمة النقض في 2010 بعد طوفان طلبات التطليق، فتدخل وفسر المادة 84 بكون المرأة أو الزوجة لا يحكم لها بالمتعة إذا طلبت التطليق، وهناك أمثلة عديدة في هذا المنحى، فضلا عن كون العديد من القوانين تصدر بردود الأفعال، وفي جو عنيف وغير علمي يراعي الظرف الاجتماعي، وإيمان وقناعة الناس، هي السبيل لجعل القاعدة القانونية سهلة وميسرة ومناسبة ومقنعة ، والله أعلم.

*باحث