آخر الأخبار

أرواح المواطنات والمواطنين ليست أرقاما في تقارير رسمية ولا مشهدا عابرا في نشرات جوفاء

قال بيان المكتب الجهوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لجهة مراكش آسفي، إن أرواح المواطنات والمواطنين ليست أرقاما في تقارير رسمية ولا مشهدا عابرا في نشرات جوفاء احترفت التعتيم ، بل مسؤولية سياسية وأخلاقية تستوجب المحاسبة الفورية والإنصاف وجبر الضرر وعدم التكرار.

واضاف البيان الحقوقي، ان الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بجهة مراكش آسفي، تتابع بقلق بالغ وحزن عميق ما تعيشه مدينة آسفي من فواجع إنسانية غير مسبوقة جراء الفيضانات الكارثية التي اجتاحت المدينة يوم 14 دجنبر 2025، والتي أودت حسب معطيات وإفادات محلية في غياب المعلومة الرسمية المؤكد بحياة 47 مواطنة ومواطنا بينهم أطفال ونساء، مع التأكيد أن هذه الحصيلة غير نهائية وليست بالدقيقة نتيجة التكثم والتعتيم الرسمي الذي احجم عن تزويد الرأي العام بالمعطيات والحقائق منذ صبيحة يوم الاثنين وتفيد المعطيات بوجود مفقودين لم تحسم أوضاعهم بعد، فضلا عن إصابات وجروح بليغة لعدد غير محدد من المواطنات والمواطنين. حيث غرقت أحياء كاملة في دقائق وتحولت الشوارع إلى سيول قاتلة، وانهارت منازل ودكاكين الحرفيين والفقراء، وسجلت مأساة عائلة قضت بكاملها تحت السيول، فيما تجند الشباب والناجون لإنقاذ الغرقى بإمكانيات منعدمة وبسيطة في غياب الأجهزة المختصة المكلفة بالإنقاذ وتقديم الإسعافات، مما عمق من حجم الخسائر خاصة في الأرواح البشرية.
إن ما جرى ليس مجرد كارثة طبيعية، ـ يضيف البيان ـ بل فضيحة تدبيرية مدوية وموثقة، سبق التحذير منها في وثائق رسمية، من بينها تقرير تقني مؤرخ في 5 يناير 2022 أنجزته الجماعة الحضرية لآسفي بشراكة مع وزارة إعداد التراب الوطني، حدد بدقة المناطق المهددة بالخطر وقدم حلولا تقنية واضحة لم ينفذ منها شيء. لقد تحولت الوثيقة من أداة وقاية إلى قرينة إدانة، في سياق يتسم بتعطيل المشاريع، وتغليب منطق الربح العقاري، وتفكيك الوظائف البيئية، وتهميش المدينة في السياسات العمومية، وتطبيع بنية الامتياز والريع التي تحول الكوارث إلى نتائج حتمية لمنظور يختزل حياة الناس في تكاليف يجب تقليصها.
إننا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بجهة مراكش آسفي نعتبر أن ما وقع في آسفي هو فشل بنيوي فادح تتقاطع فيه المسؤوليات السياسية والمؤسساتية والاقتصادية، ويكشف عن عمق الأزمة الهيكلية التي تطال منظومة التدبير الترابي، ويفضح زيف الخطاب الرسمي حول التنمية والعدالة المجالية. كما نؤكد أن ما جرى يشكل انتهاكا صارخا للحق في الحياة، والحق في السكن اللائق، والحق في الأمان البيئي، والحق في المعلومة، وهي حقوق مضمونة بموجب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية ريو بشأن التغيرات المناخية، وإعلان سنداي للحد من مخاطر الكوارث. وبالموازاة، ندين التضييق المباشر على مناضلي الجمعية الذين تعرضوا لسحب هواتفهم لمنعهم من توثيق الخسائر البشرية والمادية، في محاولة لتعطيل الحق في الرصد والتبليغ وحجب الحقيقة وسط تعتيم إعلامي ممنهج.

وإذ نعبر عن خالص عزائنا ومواساتنا وتضامننا المطلق مع أسر الضحايا والمفقودين ومع عموم ساكنة آسفي، فإننا نسجل ما يلي:
– تحميل الدولة بكافة مؤسساتها المركزية والترابية المسؤولية الكاملة عن هذه الفاجعة باعتبارها نتيجة مباشرة لسياسات الإهمال والتقشف الاجتماعي والفساد البنيوي والتخلي عن أدوارها في الحماية والوقاية.
– المطالبة بالمحاسبة الفورية لكل المسؤولين عن هذه الجريمة الاجتماعية والسياسية، وعدم الاكتفاء ببلاغات التهوين أو تبريرات “القوة القاهرة”، مع ترتيب الجزاءات على أساس المسؤولية المباشرة وغير المباشرة في صنع الهشاشة وتعطيل الوقاية.
– الكشف الفوري عن مآل المشاريع المبرمجة لحماية المدينة من الفيضانات وعلى رأسها مشروع تهيئة واد الشعبة، ومحاسبة كل من تورط في تعطيله أو التستر على مخاطره، وإلزام الجهات المعنية بإعلان جداول التنفيذ والتكلفة والتمويل والصفقات للرأي العام.
– التنديد بالغياب الفاضح للجنة اليقظة الإقليمية التي لم تفعل رغم النشرات الإنذارية ولم تتخذ أي إجراء استباقي لحماية الأرواح، وهو ما يشكل تقصيرا جسيما يستوجب المساءلة الفورية.
– إدانة التعتيم الإعلامي الممنهج وتواطؤ بعض المنابر في تبييض الفشل المؤسساتي مقابل حملات إشهارية مدفوعة، في خرق سافر للحق في المعلومة ولأخلاقيات المهنة الصحفية، والتنبيه إلى أن حصيلة الضحايا غير نهائية مع وجود أخبار عن تجاوز العدد خمسين وحديث متواتر عن مفقودين.
– فضح التضييق الممارس على مناضلي الجمعية بسحب هواتفهم ومنعهم من التوثيق، والمطالبة بوقف كل أشكال المنع والمصادرة والترهيب، وضمان حرية الرصد والتبليغ وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
– المطالبة بتوفير الدعم النفسي والمادي العاجل لأسر الضحايا، وتعويض المتضررين، وإعادة إسكان من فقدوا مساكنهم وفق مقاربة حقوقية تحفظ الكرامة الإنسانية، مع إيلاء عناية خاصة للأحياء التي تعرضت للغرق الكلي وللأسر التي فقدت معيلها أو أفرادا من عائلتها بشكل جماعي.
– الدعوة إلى مراجعة شاملة للسياسات الحضرية وإعادة الاعتبار للوظائف البيئية، ووقف مشاريع التدمير الممنهج للموارد الطبيعية، وعلى رأسها تجفيف السدود الطبيعية وبناء الحواجز الإسمنتية دون تقييم بيئي، وربط أي تدخل عمراني بإلزامية دراسات المخاطر والتكيّف المناخي.
– المطالبة بالإعلان الفوري عن المناطق المتضررة من مدينة آسفي كمناطق منكوبة تستوجب أعلى درجات التعبئة والتدخل للإنقاذ وجبر الأضرار، مع تعبئة وسائل الإنقاذ والإسعاف القريبة والبعيدة وإعادة الانتشار وفق أولوية حماية الأرواح.

– الإسراع بتوفير كل الإمكانيات المالية واللوجستيكية لإيواء المنكوبين وتعويض كل المتضررين بما يتناسب مع حجم الأضرار التي لحقتهم، وإقرار آليات شفافة لتلقي الشكايات وضمان عدم الإقصاء أو الزبونية في التوزيع.
– وضع برنامج استعجالي مدقق لإعادة تأهيل المنطقة عمرانيا وعلى مستوى البنيات التحتية والمحلات الخاصة بالحرف والتجارة وكل مصادر وموارد العيش الكريم، على قاعدة القطع مع منطق المقاولة الريعية والصفقات المغلقة.
– فتح تحقيق قضائي نزيه وشفاف وترثيب الاثار القانونية اللازمة ومحاسبة ومحاكمة كل المسؤولين عن الفساد المالي والغش والمضاربات والبرامج الفاشلة، واسترجاع الأموال المنهوبة والمهدورة وربط المسؤولية بالمحاسبة فعلا لا قولا.
– تدقيق الحسابات المالية وافتحاص برامج التنمية تقنيا ومراقبة احترامها لمعايير الجودة والصلابة والفعالية والنجاعة، ومحاسبة كل المتورطين من مسؤولين منتخبين ومعينين ومقاولين وكل طرف أخل بالتزاماته وواجباته.
– إعادة النظر جذريا في ما يسمى برامج التنمية الفاشلة والفاقدة للمردودية والمكرسة للنهب، باعتماد مخطط تنموي يوجه المقدرات الاقتصادية لخدمة البنيات التحتية ومحاربة التلوث البيئي وتقوية الخدمات الاجتماعية والتأهيل والتجديد العمراني وتثمين الصناعات المتواجدة بالمدينة وتقويتها، مع فك الارتباط بمنطق الربح العقاري الذي يفكك المدينة ويقوض حقها في الأمان.
– دعوة كافة الهيئات الحقوقية والقوى الحية إلى التكتل وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق للوقوف على حقيقة ما جرى على الأرض وسط التعتيم الإعلامي والتضييق على المناضلين، بما يضمن توثيق الانتهاكات، وحماية الشهود، وكشف مسؤوليات التقصير والبنية التي تنتج المخاطر وتعيد إنتاجها.
إن أرواح المواطنات والمواطنين ليست أرقاما في تقارير رسمية ولا مشهدا عابرا في نشرات جوفاء احترفت التعتيم ، بل مسؤولية سياسية وأخلاقية تستوجب المحاسبة الفورية والإنصاف وجبر الضرر وعدم التكرار.