آخر الأخبار

أدبيات الزاوية النظيفية التيجانية لمحمد الرحماني ـ 5 ـ

الثاني، العلامة امحمد النظيفي:

ولد امحمد النظيفي في بلدة آيتكن من مناطق السوس الأقصى، من قبيلة أداو نظيف الواقعة في الجنوب الشرقي لمدينة تارودانت،  والتي عُرفت بحرصها على دراسة العلوم الإسلامية. ولا تزال بعض المدارس في هذه المدينة تحمل اسم الفقيه النظيفي. وحفظ النظيفي القرآن الكريم في طفولته وهو لم يتعد سن السابعة.  وجدَّ في التحصيل على أبيه وفقهاء بلدته ونواحيها؛ ثم التحق بجامعة القرويين بمدينة فاس، ودرس على علمائها، وبعد أن أمضى أربعة عشر شهراً فقط في الجامعة، أجازه كبار علمائها إجازة مطلقة. ثم مارس التدريس في عدّة نواح في الجنوب المغربي. ثم انتسب إلى الطريقة التجانية بعد أن كان أبوه منتمياً إلى الطريقة الناصرية. وبعد أن أصبحت مراكش عاصمة المغرب سنة 1897، استقر النظيفي بمدينة مراكش عام 1899، وبنى فيها زاويته الأولى في حومة القصور، وعند وفاته دفن في ضريح له في تلك الزاوية.

الأوضاع السياسية أثناء حياة النظيفي:

ولكي يدرس المؤلِّف أدب الشيخ النظيفي بالمقاربة التركيبية، يتناول الأوضاع السياسية أثناء حياته التي تعاقب خلالها على حكم المغرب ستة من السلاطين:

  1. السلطان محمد الرابع، الذي بويع سنة 1859، وفي عهده استولى الإسبان على مدينة تطوان، وشاعت  الحمايات الأجنبية، وتفاقم الغلاء، وانتشرت الأوبئة والمجاعات، وقامت عدة ثورات داخلية.
  2. السلطان الحسن الأول، الذي بويع سنة 1873، الذي حاول إعادة الاستقرار إلى المغرب، واتبع سياسة المرونة مع الطرق الصوفية، وتفاقمت ثورة بوحمارة في الشمال.
  3. السلطان عبد العزيز بن الحسن، الذي تولى العرش سنة 1913 سنة، والحكم الفعلي في يد الصدر الأعظم باحماد الذي اتبع سياسة المرونة مع الطرق الصوفية. وعندما في اجتمعت الدول الأوربية الاستعمارية في مؤتمر الجزيرة وأقرت بامتيازات لفرنسا وإسبانيا في المغرب، بحجة أن لهما ديوناً على المغرب.
  4. السلطان عبد الحفيظ بن الحسن، الذي بويع سنة 1907، الذي شجع التوجه السلفي المناوئ للزوايا الصوفية. فتكاثرت الثورات الداخلية، فاضطر هذا السلطان إلى توقيع عقد الحماية الفرنسية سنة 1912.
  5. السلطان يوسف بن الحسن، الذي بويع بعد تنازل أخيه السلطان عبد الحفيظ عن العرش سنة 1912. وكان عهده زاخر بحركات الجهاد بقيادة الزوايا الصوفية ضد المحتل الفرنسي.
  6. السلطان محمد بين يوسف، الذي تولى العرش سنة 1927 بعد وفاة أبيه السلطان يوسف، والذي تعاظم في عهده نفوذ الأحزاب السياسية المناوئة للحماية الفرنسية بتشجيع منه، ما دفع السلطات الفرنسية إلى تنحيته ونفيه من البلاد سنة 1953. ثم استطاعت المقاومة المغربية بإعادته إلى عرشه سنة 1955 مع استقلال المغرب.

واجتماعياً، تميزت الفترة التي عاش فيها النظيفي بالحروب الخارجية والثورات الداخلية وتفشي الفقرو المجاعات والأوبئة، إضافة إلى فساد الإدارة وظلمها. وثقافياً يتسم ذلك العصر، بانحطاط التعليم، والتخلف والجهل، وانتشار الخرافات.

ومن الأمثلة على تأثير الأحداث السياسية على الإنتاج الأدبي للنظيفي، انفجار تمرُّد الجيلاني الزرهوني، المسمى ثورة أبو حمارة سنة 1902 في شمال البلاد، ما اضطر الحكومة المغربية التي اتبعت سياسة المرونة مع الزوايا، إلى الانتقال من مراكش عائدة إلى فاس لتكون بالقرب من مركز الثورة. ولهذا فإن النظيفي، الذي استقر في مراكش، سخط على ذلك التمرد، ووقف مع السلطان، ونظم توسلاً بعنوان ” نصرة السلطان وإغاظة الشيطان“، جاء فيه:

يا ربنا، بفضـــلك العميـــم … وبحق ما في الصحف الكريم

    انصر أميرنا على الأعادي … واحـمي به الديـــن مع الأبادِ

        واجعله رحمة على العبادِ … عميمةً لحـــاضرٍ وبــــادِ

وعندما اعتبر بعضهم من مؤيدي بوحمارة و من حسّاد النظيفي هذا التوسل نوعاً من التزلّف للسلطان

ردّ عليهم النظيفي بأرجوزة طويلة مطلعها:

حمداً لمن وعد بالإجابة … جميع من دعاه بالإنابة