آخر الأخبار

أحياء مراكش 2

سيدي عمارة…

والليل ألليل أسيدي عمارة الليل أوا…علموك ألعزيز بنات المدينة…علموك الضصارة وكلام النصارى الليل أوا…علموك السبيسي وقعاد الكريسي الليل أوا…ها الليل ألليل أسيدي عمارة الليل أوا…

مَن مِن أبناء مراكش لم يستمتع بهذه الأغنية الخالدة للفنان الشعبي الكبير الحاج “حميد الزاهر” شفاه الله وعافاه!؟

سيدي عمارة هو في الحقيقة حي ذو خصوصيات ومميزات عديدة، فبعد أن نعلم أن اسم الحي ينسب إلى العالم الجليل أبي حفص سيدي عمر بن قاسم المعروف عند العامة بسيدي عمارة، سندرك بعدها أن حومة سيدي عمارة تقع في أقصى حدود السور من الجهة الجنوبية وهي بذلك تمثل أهمية استراتيجية وجغرافية فريدة من نوعها…

أما أبو حفص عمر بن قاسم ذاته، فالمعلومات والمصادر التاريخية شحيحة بشأنه، لكن ما هو مؤكد ومعروف منها أنه عاصر المولى إسماعيل في فترة الاضطرابات والقلاقل التي صاحبت نقل العاصمة من مراكش إلى مكناس خلال فترة حكم السلطان المذكور بين سنتي 1672 و1727، وبذلك فتاريخ تأسيس الحي يعود في أسوأ الاحتمالات إلى نهايات القرن السابع عشر الميلادي، وقد قيل بل قبل ذلك بقرن أو قرنين لأن حي سيدي عمارة كان مستقرا ومسكنا للعبيد والخدم المشتغلين في المشور السلطاني المحاذي للحي، كما قيل إن أول من سكن الحي هم السكان الوافدون من إقليم تاملالت شمال مراكش، وبذلك فدروب الحي ما زالت تحمل اسم “درب العبيد” نسبة إلى عبيد البخاري الذي هو جيش عسكري مكون من العبيد أسسه المولى إسماعيل بالموازاة مع الجيش النظامي للدولة، والسبب في التسمية أنهم قد أقسموا له الولاء على نسخ من صحيح الإمام البخاري وذلك لأسباب تاريخية ربما نعود لها في وقت لاحق، ثم “درب تاملالت”؛ السكان الأصليين للحي الوافدين على مراكش، وأخيرا “درب العين”…

أبو حفص عمر بن قاسم تنسب إليه جملة من أفعال الخير والصلاح من ورع وزهد وتعبد وكثرة تصدق على المعوزين والفقراء، وقد ذكرت بعض المصادر التاريخية إلى أن المولى إسماعيل وبناء على وشايات بطانته كان يفكر في حيلة تمكنه من البطش بسيدي عمارة دون إثارة غضب العامة التي كان عمر بن قاسم يحظى لديها بمكانة خاصة، وتقول الرواية كذلك إن السلطان إسماعيل قد استدعى سيدي عمارة لمناظرة بعض المقربين من البلاط حيث جمع له بغية إحراجه في هذه المناظرة، فكانت أول مرة يتقابل فيها الرجلان وجها لوجه ليحدث عكس ما تمنته بطانة السوء وينتصر سيدي عمارة في هذه المناظرة المشهودة ويقع عمر بن قاسم موقعا حسنا من قلب السلطان الذي صار يعزه ويجله ويحترم علمه وزهده، بل إنه كان صار الرجل الوحيد المسموح له بدخول القصر في كل وقت وحين دون إذن مسبق، وقد زادت مكانته قدرا وتشريفا لدرجة أن السلطان المولى إسماعيل كان يدعوه لتناول الطعام مع عياله وأبنائه…

ومن غرائب الصدف أو مكرها، أن نفس اسم “عمر بن قاسم” قد حمله شخص آخر عاش في نفس الحقبة التاريخية وهو الذي لقبه المراكشيون بعليليش ـ وهي تصغير لاسم علوش التي تعني الكبش أو الخروف بالدارجة المغربية القديمة ـ، وهو الذي أفتى على المولى إسماعيل بوجوب وضرورة تأسيس جيش من أبناء وحفدة وذرية العبيد السابقين الذين تم إعتاقهم وتحريرهم، لكن عليليش كان يتوفر على “الكناش العبيدي” بحكم اشتغال أجداده كحجاب لدى سلاطين الدولة السعدية، وهو الاقتراح الذي وافق عليه وعمل به السلطان مولاي إسماعيل مما حذا بعلماء ورجال دين ذلك العصر بوصف عمر بن قاسم عليليش بفقيه السوء، بل إن منهم من وصفه بعدو الله؛ وذلك نظرا لتحريضه على العبودية والرق فيما الأصل في الناس هو الحرية والكرامة الإنسانية…

عمر بن قاسم عليليش بالمناسبة هو من بنى درب “عليليش” بحومة قاعة بناهيض والذي ما زال يحمل ذات اللقب إلى يومنا هذا، وهو الدرب الذي سيبنى فيه المهدي المنبهي، وزير الدفاع في عصر السلطان مولاي عبد العزيز (1908ـ 1894) قصرا منيفا سيتحول اليوم إلى متحف مراكش، كما أنه ذات القصر الذي تمت مبايعة الباشا الأسطوري “التهامي المزواري الڭلاوي” به عقب خلافته لشقيقه المدني كباشا على مدينة مراكش في حدود سنة 1918.

  • sridi 4.jpg
    60.3kB