في إطار الأنشطة الثقافية التي دأب مركز التنمية لجهة تانسيفت على تنظيمها احتفاء بالإصدارات الفكرية الجديدة.
وبعد دعوتها لمجموعة من المفكرين من أجل تقديم قراءاتهم لكتاب ( الوطنيون المغاربة ) للباحث الأكاديمي مصطفى بوعزيز، وكتاب ( حفريات في الشعر الملحون ) للأستاذ محمد بوعابد ارتأت اللجنة الثقافية بالمركز أن تحتفي بكتاب ( استئناف البدء : الإسلام المبكر على محك المنهجية التاريخية ) للمفكر الأستاذ محمد موهوب، وذلك يوم الجمعة 19 أبريل 2024 بشراكة جامعة القاضي عياض بمراكش، وبتنسيق مع مدينة اللغات والثقافات بكلية اللغة العربية القرويين. وقد استدْعت، إلى جانب مؤلف الكتاب لتقديم مولوده الفكري الجديد، كل من السادة : عبد الواحد آيت الزين، أستاذ بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس، إدريس كسيكس أستاذ HEM، محمد البوغالي، أستاذ بكلية الآداب جامعة القاضي عياض.
بعد الكلمة الترحيبية لرئيس المركز السيد جمال الدين الأحمدي الذي سهر على تنظيم أشغال هذا اللقاء الفكري المتميز، تقدم ذ. عبد الواحد آيت الزين بتقديم قراءة» مُسْتعرضة «(lecture transversale) للكتاب، أشار فيها إلى انتظام إشكالية الكتاب في إطار الجهود المبذولة للوقوف على الملابسات التاريخية والفكرية وراء انتكاسة فكرنا النهضوي العربي؛ لا سيما أن البنيات الثقافية المؤسسة لواقعنا الراهن قد استعصت على التغيير. ففي ظل خذلان هذا الواقع وخيبة آمال هذا الفكر، حاول كتاب د. محمد موهوب، يوضح ذ. آيت الزين، مساءلة “سحر البدايات” بما يسمح ب ” ترويض فعل التفكير ” وإعادة ” توجيه البوصلة في لحظات التيه ” وب ” قلب الأرض بما فيها من مفاهيم “. إن الإسهامات المتميزة لهذا الكتاب تكمن بالأساس في دعوته إلى التأسيس لمنهجية جديدة لقراءة النصوص/ الأصول. ذلك أن “مسؤولية الفيلسوف بما هو خادم للإنسانية”، يتابع ذ. آيت الزين، تتجلى في خلخلة مسلمات التفكير، وفي التأسيس ل “ضرب مغاير في التفلسف” يمكّن، في الآن ذاته، من “القراءة المتأنية للنص/المؤسِّس” ومن “الإصغاء الجيد للحاضر”. وهذا ما توخاه د. موهوب في مولوده الجديد.
فضل الباحث الروائي ادريس كسيكس تقديم قراءته لمؤلف “استئناف البدء” باللغة الفرنسية؛ حيث وقف على “الفضاء المعماري” للكتاب متناولا بالدرس والتحليل البنية المفاهيمية لنصوصه/ مقالاته. واعتبر أن النص/ الكتاب ينطوي على مفاهيم ذات “فائض” في المعنى وعلى ألفاظ حبْلى بدلالات كثيفة. ولذلك أشار إلى أن الإمساك بمعاني المفاهيم المؤسسة للنص يستدعي تضافر جهود القارئ والكاتب معاً؛ حيث الكتابة والقراءة سيرورتان متلازمتان ومتكاملتان. لقد نظر ذ. كسيكس إلى الكاتب بوصفه نظيراً للحائك (Tisserand) الذي يُنسج الدلالات ويقف على امتداداتها آخذاً بعين الاعتبار تعدد واختلاف سياقات استثمارها. وأكد بأن القارئ يقرأ (lit) النص، ليربط (lie) بين المعاني المضْمرة والدلالات المصرح بها، وليقيم علاقات جديدة بينها؛ وهو ما يؤكد كثافة معاني مفاهيم النص المكتوب/ المقروء.
أما القراءة الثالثة لكتاب “استئناف البدء”، فقدمها ذ. محمد البوغالي؛ والذي ذهب إلى أن كتاب د. موهوب ينطوي على إشارات لغوية عديدة دالّة على الارتباط الوثيق بين المعنى والمبنى في نصوصه. كما يعبّر عن الأسئلة المؤرقة الهواجس التي تسْكن فكر صاحبه. لقد اعتبر ذ البوغالي أنه بقدر ما واجه الكتاب إشكالات البدايات بقدر ما عارك مشكلات الزمن الراهن. وأشار إلى أن “المنهجية التاريخانية” و”أنطولوجيا الحاضر” قد شكّلتا نبراسا للأستاذ موهوب للمضي في سبيل إزالة أشكال سوء الفهم التي لازمت قراءات النصوص/ الأصول. وقد خلص ذ. البوغالي إلى أن كتاب “استئناف البدء” يعدّ احتفاء بالمستشرق الألماني فان إيس وبكتابه “علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة “.
تناول، بعد ذلك، الكلمة مؤلفُ الكتاب المُحتفى به الأستاذ محمد موهوب؛ والذي وجّه كلمة شكر للأساتذة على قراءاتهم الصائبة والسديدة للكتاب، وللحضور الكريم، ولمركز التنمية لجهة تانسيفت. ثمّ قدّم بعض التوضيحات المرتبطة بإصدار الكتاب. وأوضح أن أهمية إعادة قراءة التجربة الإسلامية في تدبير الشأن العام، خاصة قراءة صحيفة المدينة، تُستمد من الاهتمام والقلق على حاضرنا. فلا معنى للتفلسف خارج الحاضر. بل إن فعل التفلسف، وإنْ نظر في الماضي وحرص على مساءلته، يُعدّ تفكيرا نقديا في الحاضر فحسب؛ كما يؤكد مؤلف كتاب ” استئناف البدء: الإسلام المبكر على محك المنهجية التاريخية”.
وفي الختام، سلّم السيد جمال الدين الأحمدي الدرع الرمزي للأستاذ موهوب. وشكر الجميع. وضرب لهم أجلا وموعدا للقاء من أجل قراءة كتاب جديد في سلسلة “قراءات الشهر” التي دشنها مركز التنمية لجهة تانسيفت.