إدريس الأندلسي
نشرت إحدى صديقات حكام الجزائر مقالا في مجلة ” فورين افيرز”( شؤون خارجية) التي يصدرها مجلس السياسية الخارجية الذي يعتبر مركزا للتفكير و للتأثير على القرار في أمريكا. حاولت كاتبة المقال، غير ذات تجربة طويلة، إظهار متابعتها المستمرة لقضية الصحراء و للعلاقات المغربية الجزائرية و أصرت على إعادة الحياة لمقترح الرئيس الراحل بوتفليقة لحل هذه القضية عبر تقسيم الصحراء. كان ذلك سنة 2006 ، و كان هدف هذا المقترح هو تشويه الحل السياسي، و تمكين الجزائر من جزء من الصحراء و باب واسع على المحيط الأطلسي و تحقيق أرباح تغطي تمويلات جزائرية للبوليساريو على مدى خمسين عاما. تراجع بوتفليقة بعد أن شعر نظامه أنه كشف أوراقه الحقيقية، وتبخرت خرافة تقرير المصير التي سكنت، كفيروس لا يقهر ،كل سياسات الجزائر و مواقفها و خطاباتها.
أظهرت كاتبة المقال الذي يروج، من جديد، لعرض التقسيم بكثير من تضخيم قدرات الحركة الانفصالية على الفعل العسكري. حاولت هذه ” المجتهدة ” المسماة حنا راي امسترونغ، أن تروي حكايتها على الشكل الذي يرتضيه من يهمه أمر التقسيم. ركزت كثيرا على ما تصورته أنه خلاصة ” ترسخت ” لدى المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا. رددت كثيرا كلمة “تقسيم” لتؤكد أنها فكرة لم تنل أي إهتمام لدى مجلس الأمن، ثم ترجع لتردد عدة مرات أنها” الحل الأقل سوءا”. و تستمر في تخيلاتها للتقسيم مع تدقيق المناطق التي ستكون تحت سلطة المغرب، و التي تعتبرها تعويضا عن الاستثمارات التي تم القيام بها، و تركز على إعطاء الانفصاليين شريطا ساحليا م أراضي تصفها بالغنية بالموارد المعدنية. و تذهب بعيدا لاقتراح ضغط يمكن أن تمارسه الولايات المتحدة على المغرب و الجزائر على البوليساريو لقبول التقسيم. و تبدو الصياغة متسمة بنوع من ” البراءة” التي تهدف إلى تسميم الحل السياسي و إظهار ما يمكن تجنيه الولايات المتحدة الأمريكية إذا استجابت لطموحات الجزائر. و تبين صاحبة المقال براعة في ترجمة مواقف الجزائر و ” عرضهم” لمزايا دفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في موقفها نظرا للثروات المعنية التي يمكن أن تستغلها. و تذهب إلى حد ” كشف” إهتمام الصين بالمنطقة و زيارة رئيسها للمغرب. و هكذا تتحول الجزائر إلى كشف وجهها الجديد القديم ” كسمسارة” لم تطلب خدماتها أية دولة عظمى.
تؤكد صياغة المقال الذي نشرته مجلة معروفة مواقفها إتجاه المغرب و وحدته الترابية، أن ” حامل القلم ” الحقيقي هو النظام الجزائري السخي إتجاه كل نشر ينطق بهواه. و تزيد صاحبة المقال في اغراق خطابها بالكثير من الكذب حول قدرة الانفصاليين على إشعال الحرب رغم ضعف اسلحتهم. و تؤكد أن هذه الأسلحة هي ما تبقى من ترسانة مولها الراحل القذافي و ما “غنمته ميليشياتها ” قبل وقف إطلاق النار سنة 1991. و هنا تمنح مجلة ” فورين افيرز” براءة للجزائر و تشهد لها بعدم تسليحها للانفصاليين رغم أن راعية البوليساريو لم تنف دعمها لمن تسميهم بحركة مقاومة و دولة تحمل نفس الإسم مع تغيير “الجزائرية بالصحراوية “.
و تستمر كاتبة المقال في تأليف وصف الانفصاليين بأن حركتهم هي الممثل الشرعي لكل سكان الصحراء و تندوف. و تبين موقفها المعادي لمقترح المغرب للحكم الذاتي مكتفية بالإشارة إلى أنه يتكون من ثلاث صفحات. و لا تنسى أن تجنح لتأكيد تفوق المغرب عبر دعم مقترحه من طرف دول كالولايات المتحدة و فرنسا و إسبانيا، و لكنها تؤكد أن البوليساريو قادرة على إشعال الحرب و تحقيق أهدافها كما” فعلت الجزائر للحصول على استقلالها “. هنا يظهر جليا أن صاحب الصياغة معجون بثقافة قصر المرادية و قيادة الجيش. لم تترك الموقعة على المقال فرصة النشر دون أن تضخم قرار محكمة الإتحاد الأوروبي الخاص بالتبادل التجاري و الاتفاقيات الخاصة بالصيد و بالفلاحة، كما أنها ساقت بعض الحالات التي وصفتها بتراجع مستثمرين في مجال البحث عن مصادر الطاقة. لم تتكلم حاملة قلم الجزائر عن الأخطار التي تهدد أمن منطقة الساحل و شمال أفريقيا، بل اكتفت في نهاية ما اقترفته من سطور لتنذر بإيقاف مهمة المينورسو ” المكلفة” خلال جلسات مجلس الأمن في شهر أبريل ، و ذلك كما حصل في مالي و السودان. و تذهب إلى حد تصور حرب بين الجزائر و المغرب تكون ذات تكلفة كبيرة على الطرفين. وصلت رسالة عبر كاتبة مغمورة على مجلة مأجورة مفادها أن الجزائر تقدس المحيط الأطلسي. و لكن النباح الدبلوماسي لن يمكنها من منفذ لها على مجال فتحه المغرب، بوعي إستراتيجي، ليكون عنصر تطوير الشراكات المربحة للجميع في مجال المبادلات التجارية و نقل مصادر الطاقة عبر دول القارة. و أظهرت المجلة من خلال نشرها لمقال يفتقد إلى معرفة كاتبته لكافة معطيات ملف الصحراء، أنها انحدرت إلى مستوى لا يعكس تاريخها الذي بدأ قبل أكثر من قرن من الزمن.