آخر الأخبار

لماذا نسيت إفتتاح دورة البرلمان … اللاحدث 

 إدريس الأندلسي 

لا زلت أعتقد أن فصل السلط ضمانة ديمقراطية لتدبير شؤون المواطنين و الوطن. نعم لدي ذاكرة تنتخب الأحداث التي تعتبرها مهمة وتتجاهل، رغما عني، من القضايا والأمور أقلها أهمية. ولكن الثابت هو الإهتمام المفرط الذي أوليه للقضايا السياسية في أبعادها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والرياضية.  لماذا نسيت أن إفتتاح الدورة البرلمانية الربيعية كان يوم الجمعة  12 أبريل الموافق لثالث أيام عيد الفطر. لا أنكر أن للأمر علاقة  مباشرة ببعض القراءات التي جعلت من هذا الدخول السياسي لحظة غير ذات أهمية ، ولكن تدهور  الممارسة البرلمانية شكلا  ومضمونا هو الفاعل الأكبر في نعمةالنسيان. سامح الله اؤلئك الذين ركزوا تفكيرهم وأعطوا كل الإهتمام على توزيع غنيمة مقاعد  مسؤولية بالبرلمان بين الفرق النيابية واجتهدوا في تحليل طموحات أناس ” منتخبين”  واعتبارها مهمة جدا وجديرة بالقراءة. أظن أن الأمر أصبح هينا لأن التدبير السياسي أصبح مهانا. 

لخصت أحزابنا  ومهندسي خارطة السياسة في بلادنا اللعبة السياسية في سباق من أجل المصالح والمناصب والتغطية عن المصائب. وكان ما كان من آثار هذا الوضع على احتقار دور المواطن في بناء المؤسسات والثقة فيها. تحول العمل،  الذي لا زلنا نسميه سياسيا بالرغم عنا، إلى مباريات أغلبها يشبه رياضات العنف وألعاب القمار والغش وفنون التستر عن ممارس الاغتناء غير المشروع وتاجر المخدرات والمرتشي والمفسد. تراكمت الثروات و تحصنت المواقع وصدق ناس الغيوان حين رأوا، بعد أن تعجبوا مستخدمين قوة قول” سبحان الله ” أن الصيف عندنا أصبح شتاء  وتحول فصل الربيع في بعض البلاد إلى خريف. أصبح المثقف اما خائفا أو مبتعدا  مضطرا او تاركا الجمل بما حمل. هذا المثقف كان قادرا على التضحية بحريته  قبل سنوات وأصبح غير قادر على التضحية بعرضه وشرفه. كان قادرا على أهوال معتقل درب مولاي الشريف وكل المعتقلات التي كانت سرية، ولكن ” الشبيحة ” المسخرين في المجال  الانتخابي بالمال والعنف والشتائم كانوا أشد عنفا  وأكثر حضورا  وقوة لاحتلال ميادين ممارسة تدبير الشأن العام. 

نعم نسيت موعد إفتتاح الدورة الربيعية للبرلمان بفعل فاعل. كنت أسبح في حلم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وقررت أن استجيب طواعية لكل آليات التنويم المغناطيسي. استفقت بفعل فاعل و وجدت نفسي ضمن المدمنين على متابعة ملفات الفساد التي تلاحق مجموعة من المسؤولين السياسيين. لم أصدق أن مؤسساتنا  الرقابية الموقرة قد كانت خارج نطاق الحصول على المعلومة والتدقيق في ضخامة حجمها قبل هذا الوقت. برلمانيون  ورؤساء جماعات ترابية  وغيرهم يوجدون  بين أيدي العدالة،  وهذا أمر يستجيب لإنتظارات المواطنين، ويطرح سؤال تفعيل آليات تنزيل  أكبر للفعل المؤسسي لدولة الحق والقانون. الكل يعرف أن الفساد أنتج  الخنوع  والتواطؤ  وعرقل التنمية.  وهذا الكل ينتظر إنهاء المهزلة التي أوصلت بعض الفاسدين إلى مراكز القرار. إننا أمام تحدي يتطلب إرجاع الثقة إلى المواطن  من خلال الإستمرار في المحاسبة القضائية النزيهة و العادلة والضامنة لكل الحقوق ولعدم الإفلات من العقاب. لا يمكن تحفيز النخب الجديدة للإقبال على العمل السياسي برشوة الحصول على المناصب  ولكن  بضمان نظافة العمل من أجل تغيير تدبير الوطن والإسهام في رقيه  ورفعته.

نعم نسيت إفتتاح الدورة البرلمانية الربيعية  وليس لدي أي شعور بالأسف.  إنه ” اللاحدث ” في بلادي التي تسيطر على ثقافة جل نخبتها “السياسية ” الإستفادة  من الريع  والصراع من أجل المناصب وليس من أجل الإصلاح وخدمة المواطن. يحق لكل مغربي أن يشعر باليأس من  هذه  النخبة بعد أن سمع  ملك البلاد يؤكد على ضرورة  وضع  مدونة  سلوك في مجال  العمل السياسي تجمع عليها كل  الأحزاب  وكل الفاعلين وخصوصا اؤلئك الذين ينتجون القوانين . 

اغلب نواب الأمة  في البرلمان وفي الجماعات الترابية  وحتى في الحكومة لا يقدمون أي منتوج يستجيب لحاجيات المواطنين.  أصحاب المراكز ينتظرون، بكثيرمن اللامسوؤلية، توجيهات عليا لكي يتحركوا ويبتدعون كل الأساليب للاستيلاء سياسيا على المكتسبات الإجتماعية.  ولنا في ورش التغطية الاجتماعية خير دليل على غياب الفعل الحزبي و إنتظار المبادرات الملكية في عدة قطاعات و محاولة الظهور في مجال استثمار الإنجاز. 

نسيت أن البرلمان قد دخل في دغدغة انتظارات بعض أشباه السياسيين  وتحقيق حلمهم الصغير للحصول على منصب رئيس فريق نيابي أو  لجنة برلمانية أو الحصول على  وعد بالحصول على كرسي وزاري من خلال ترميم حكومي مفترض. الأمر يتعلق بدخول برلماني ربيعي  يتطلب عقولا  وإرادة قوية تظل غائبة في ظل الوضع الراهن. وتظل الحكومة غائبة عن ورش تقييم السياسات العمومية  و من ضمنها ” المغرب الأخضر أو الجيل الأخضر ” وإصلاح المنظومة التربوية  و غيرها من السياسات التي رصدت لها ميزانيات ضخمة  و تمت برمجتها من خلال قوانين المالية لسنوات متتالية. وتظل قضية الأمن الغذائي  والطاقي  والطبي معلقة إلى أن تتوفر آليات التقييم. نصدر الأطنان من الطماطم  ولا نمتلك إلا  20% من القدرة على إنتاج بذورها.  أصبحنا نصدر مياهنا  وتربة أرضنا  ونرهن مستقبل أمننا الغذائي  و نستورد موادا غذائية بكميات أقل بكثير مما نصدر وبتكلفة تضاهي قيمة صادراتنا الغذائية. لذلك لا يمكن للمواطن المغربي أن لا يتعاطف مع الفلاح الإسباني  و الفرنسي  وهو الذي يدافع عن حقنا في إرجاع منتوج أرضنا إلى أسواقنا. حلقت الأسعار عاليا  و تراجعت نسبيا بفعل رفض منتجي فرنسا وإسبانيا تسويق منتوجاتنا التي انهكت تربتنا  ومياهنا وتم تصويب قوة  نيرانها إلى جيوبنا.  و هكذا أصبح التضخم فعلا ناتجا عن تصدير لا عن استيراد في قطاع المواد الغذائية. نعم تزايد حجم صادراتنا ، و زادت بنياتنا التحتية  اتساعا ،  وحافظنا على توازنات حساباتنا الخارجية.  ولكننا لم نحقق معدلات نمو مهمة تخلق الثروات ومناصب شغل حقيقية منذ ما يقرب من 12 سنة.  وتظل هذه الحكومة التي هي امتداد لحكومة عبد الإله بن كيران ، تبحث عن حلول دون أن تتخذ قرارات لتحقيقها. 

نعم لقد نسيت موعد الدورة البرلمانية الربيعية وأريد أن  ينساها الجميع  وأن يقاطعها المواطنون إلى أن تستقيم الممارسة السياسية في بلادي. ولن تستقيم ما دامت إرادة تخريب آمال المواطن أكبر من تفعيل محاسبة المسؤولين عن الشأن العام. لقد صوتت أغلبية كبيرة على دستور  2011 لأنه حمل في فقراته كل المبادىء التي تضمن بناء دولة الحق والقانون. و لكن جنة إنتاج القانون لا تقابلها جنة تفعيل القانون. لا أرسم لوحة يملؤها التشاؤم  ولكن أؤكد على أن هناك من يريد أن يؤخر مسيرتنا نحو التنمية  بنية مبيتة هدفها مراكمة الثروات وسد الطريق أمام البناء بسواعد أبناء الوطن. لا أحلم بالمستحيل  ولكنني أؤمن بالممكن  وبتنزيل مبادىء ثورة الملك  والشعب  وطرد كل حاملي مشاريع خيانتها. لا يهم ان افتتحت دورات البرلمان أو  أغلقت ما دام اقتصاد الريع  وغياب المنافسة والاغتناء  غير المشروع وضعف الإدارة  وتراجع المرافق العمومية في الصحة والتعليم وتسليع الولوج إلى الخدمات الصحية  والتربوية واقعا و صورة حقيقية لمعيش المواطن.  كل الخطوات التي سنقطعها في مجال الحكامة ستوطد بناء مؤسساتنا  وستقفل الباب أمام كل خائن للعهود. نعم نسيت إفتتاح دورة البرلمان  ولكن لا أنسى أن بلادي التي فتحت أوراش البنيات التحتية بعزم كبير يمكنها أن تسير في إتجاه النمو السريع عبر تقليص دور محاربي الحكامة الجيدة  والمحاسبة الحقيقية والإستثمار المنتج  والعلم النافع.