عبدالحق عندليب
كل المرجعيات الأدبية التي اطلعنا عليها في مرحلة الشباب، لاسيما ما كتبه بعض كبار منظري الحركة اليسارية، اكدت على أن النضال أولا وقبل كل شيئ إيمان واقتناع بأفكار ومبادئ وغايات وقيم إنسانية نبيلة، وهو ثانيا القدرة على ترجمة ذلك الإيمان إلى مواقف وسلوكات وأعمال ملموسة في علاقة المناضل بمحيطه الإنساني والاجتماعي داخل المجتمع بدء من أسرته ومرورا بجيرانه وأصدقائه ووصولا إلى علاقاته داخل هيئات الفعل النضالي الجماعي المنظم النقابي منه والجمعوي والحزبي…
لقد تعلمنا من الرواد وأهرامات النضال والتضحية أن المناضل العضوي ليس مجرد منخرط يملك بطاقة العضوية وليس من يلوح بأنه مناضل فقط لأنه ينتمي إلى هيئة تستند إلى مبادئ وقيم النضال لبلوغ اهدافها وغاياتها، بل إنه ذلك العضو الذي يقبل بدون مقابل مادي أو ريعي او امتيازي التضحية والعطاء في سبيل حزبه أو جمعيته أو نقابته او بصفة عامة في سبيل وطنه وشعبه من خلال ما يقدمه من وقته وصحته وماله ومن أعز وأغلى ما يملك… كل ذلك من أجل المصلحة العامة ومن أجل أن تنتصر الفكرة التي يؤمن بها مثل الإقرار بالحقوق والحريات للجميع وترسيخ الديمقراطية ونشر قيم التضامن والمساواة والإنصاف والعدل…
فلا يمكن أن نقع في خطأ الخلط بين من يحرص على تقوية حزبه وجمعيته ونقابته من خلال العمل الدؤوب على توفير الدعم والمساندة الضروريين وتنمية وتوسيع العضوية والرفع من فعالية الأداء والفعالية في إنجاز المهام وكسب رهانات المعارك…وبين الذي يدعي النضال لكن يختلق كل الاعذار لتبرير تقاعسه وغيابه عن ساحة الفعل النضالي بل لا يتردد في ممارسة العنف والعدوانية تجاه رفاقه من المناضلات والمناضلين الذين يكدون ويجتهدون ويضحون حيث يضع أمامهم العراقيل ويفتعل التوثرات بل وقد يلجأ إلى النميمة والكذب ونشر الغسيل والتحريض وإشعال الفتنة وتمزيق الصفوف والسقوط في المحظور اخلاقيا.
فخلاصة القول، أن النضال ليس قولا أو ادعاء، بل هو قناعات وأفعال ملموسة وممارسات يومية وسلوكات أخلاقية ومواقف نضالية، وهذا هو المفهوم الذي نعرفه ونعترف به ونعمل على نشره وإشاعته والذي سبقنا في الاستناد إليه من صنعوا التاريخ وبنوا المجتمعات وحققوا الغايات الإنسانية الكبرى والنبيلة.