آخر الأخبار

شهادة عمر جدلي في حق المسرحي عبد الله المعاوي

عمر جدلي 

هذا الرجل…
أسوق اليوم هذه الشهادة التي ظلت تحرقني لأيام وليال، ربما أسوقها بدون مناسبة ول لا أحد، أسوقها أيضا لكل الناس ولكل فناني هذا البلد الشرفاء. أكتب ما اعتمل في صدري وما دوى صداه في جدران القلب قبل أن يلفظه اللسان، وأعتذر من الرجل الذي أكتب عنه، أعتذر لأنني أعرفه حق المعرفة وخبرته في محطات عدة، ربما لم أجايل أوج عطائه وقمة تألقه، لكنني تتبعت مساره الفني والعلمي والأكاديمي من خلال من عاصره ومن قاسمه الركح وفضاءات الإبداع والمعرفة، ومن خلال احتكاكي به في الساحة المسرحية بمراكش لأزيد من عشرين سنة.
أكتب هذه السطور بعدما تأملت مشهدنا المسرحي وأيقنت أن هذا الرجل أحد مؤسسيه ورواده وسدنته الأوفياء، وبعدما انتظرت طويلا أن تلتفت وزارة الثقافة خاصتنا إليه كمسرحي كبير، ككاتب كبير، كمخرج كبير وكمناضل كبير، أكتب حينما رأيت وزارتنا تكرم المسرحيين المغاربة، مشكورة، ولسنوات طويلة لم يتكلم أحد عن هذا الحيف الذي يطال الرجل، لأن التكريم في جوهره ليس درعا ماديا ولا قيمة مالية، وإنما هو عرفان بالجميل واعتراف بالعطاء وإنزال للفنان منزلته التي يستحق. ولأنني على يقين بأن السيد والوزير والسيد مدير الفنون والسيدة رئيسة قسم المسرح لا يعرفون الرجل ولم يطلعوا على تاريخه الفني وعلى أعماله الكبيرة التي بصمت المسرح المغربي لعقود من الزمن، فإنني أجد نفسي ملزما، بحكم الزمالة والصداقة ورفقة الدرب، أن أذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين…
هذا الرجل هو الأستاذ عبد الله المعاوي مؤسس ورئيس جمعية الجيل الصاعدة العتيدة التي علا صداها وامتد صيتها في كل ربوع المملكة زمن مسرح الهواة الجميل، منذ تأسيسها سنة 1963 الجمعية التي أنجبت الكثير من الفنانين الكبار الذين يتبوأون اليوم مراتب عليا في مصاف فناني المسرح والسينما والتلفزيون.
هذا الرجل هو من أبدع تأليفا وإخراجا أعمال مسرحية كبيرة لا زال اسمها يتردد بين جمهور الستينيات والسبعينيات والتمانينيات من القرن الماضي، ( كمسرحيات : يوغرطة، دردبة فالحمال، النمرود، كركاعة عايدة، محطة سيدي غريب، العرض المسرحي، الحمار بنغيزة والغزال بتنقيزة…)
هذا الرجل كان مندوبا إقليميا للثقافة لسنوات 1979، 1980، 1981 وكان مدبرا حكيما وإداريا محنكا وكانت يده بيضاء في توظيف مجموعة من مسرحيي المدينة في وزارة الثقافة.
هذا الرجل كان أستاذا جامعيا قبل أن يتقاعد سنة 2009, ودرس الأدب العربي والبلاغة والمسرح والثقافة الشعبية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش.
هذا الرجل هو الموثق الأول للمسرح المغربي بدون منازع وبدون مبالغة، فأرشيفه الخاص يتضمن حتى اليوم صورا وملصقات ومطويات لمسرحيات مغربية منذ خمسينيات القرن الماضي، ومسرحيات أخرى مصورة ناذرة صورها بالأبيض والأسود حين لم تكن الكاميرا متاحة حتى، ولا زال يوثق ويسجل جميع الأعمال المسرحية التي تعرض في مراكش، ولا شيء يمنعه عن المسرح إلا المرض.
هذا الرجل له خزانة تحوي أمهات الكتب في مجال المسرح والسينما، كما تشمل مقالات وقصاصات وجرائد كتبت عن المسرح المغربي وأعماله وأعلامه منذ سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، كما أخرج وأصدر مجلتين متخصصتين في المسرح وفنون العرض ( مجلة المسرح المغربي سنة 1972‘ ومجلة فنون العرض سنة 2014)
هذا الرجل ساهم بفعالية ونكران ذات في تأسيس مختلف التنظيمات المهنية، منذ أول هيأة ( غرفة الممثلين المغاربة سنة 1993) كما كان رئيسا للاتحاد الإقليمي لمسرح الهواة أواسط الثمانينيات، وناضل بكرامة وشرف وغيرة من أجل مهنة كريمة ومن أجل شروط سليمة لممارستها.
هذا الرجل كتب سيناريو المسلسل التلفزيوني ” بيت بلا مشاكل ” الذي أنتجته وقدمته التلفزة المغربية سنة 1979 من بطولة المرحوم عزيز موهوب والفنانتين فضيلة بنموسى وأمل الثمار، ومن إخراج المرحوم فريد بنمبارك والمخرجة فريدة بورقية.
هذا الرجل لازال يراوغ المسار ويستميت في الإبداع ومواصلة الدرب العسير رغم الإكراهات ورغم الجحود ورغم الأيادي السوداء التي تمتد في الظلام لطمس الحقيقة وتظليل المسؤولين وهندسة القطاع على هواهم وهوى تابعيهم وزبانيتهم.
هذا الرجل يرفض المساومة ويجنح إلى المقاومة، يرفض الضوء ويجنح للظل.
هذا الرجل له علينا حق الاعتراف والعرفان وحق التكريم والتقدير، وكلمة الحق التي تعلو فوق الخرس اللعين والجري وراء المصالح الخاصة والبقاء للتاريخ ولنا الزوال والانمحاء، ورحم الله من عرف قدره وقدر الناس والله ولي التوفيق.