في مدينة تُثقلها تناقضات المعاش وتختلط فيها الأصوات بين الصادقين والانتهازيين، تنفجر قضية خطيرة تهزّ أركان ما يُفترض أنه “جسم حقوقي”، بعدما تحوّل أحد وجوهه البارزة إلى محور اتهامات ثقيلة تتراوح بين الابتزاز والتزوير، وبين الاستغلال الوقح لآلام الناس ومآسيهم.
لم تكن العبارة الشعبية “جاء يعاونوا ياخد حقو، هرب له بالحق” يومًا بهذا القدر من المأساوية كما هي الآن. فأن يتحول من يُفترض فيه أن يكون مدافعًا عن المظلومين إلى طرف في مسلسل طويل من الاستغلال والغش الأخلاقي، فذاك طعن في جوهر العمل الحقوقي، وتشويه متعمد لصورة كل مناضل شريف.
كيف يمكن لرئيس جمعية يدّعي الدفاع عن حقوق الناس أن يمتلك فيلا فاخرة على عقار حبسي، وشقة راقية حصل عليها – حسب ما ورد – من سيدة لجأت إليه لحل مشاكلها؟ كيف يُموّل دراسة ابنه في جامعة خاصة بأكثر من 70 ألف درهم سنويًا، في حين لا يُعرف له مورد رزق واضح؟ كيف تستفيد زوجته من دعم عمومي بالملايين، وتستغل عقارات بأثمنة بخسة تحت غطاء مشاريع استثمارية؟ تلك أسئلة ليست فقط قانونية، بل أخلاقية، تمس جوهر من يدّعي تمثيل المواطنين.
المعطيات، كما جاءت في شكاية الجمعية المغربية للنزاهة ومحاربة الفساد، ترسم ملامح مقلقة لمنظومة ابتزاز ذكية تُخفي خلف شعارات الدفاع عن الحقوق أهدافًا شخصية واضحة. نشر فيديوهات، تنظيم وقفات، ثم تواصل مباشر أو وساطة للحصول على منافع… إنها وصفة رديئة تعيد إنتاج الفساد في ثوب النضال.
وإذا صحت هذه الوقائع، فنحن أمام صورة معكوسة لمفهوم “الناشط الحقوقي”، حيث تتحول القيم النبيلة إلى أوراق للضغط، والحاجة الإنسانية إلى مطية للربح.
في الردّ، يؤكد المعني أنه ضحية “استهداف ممنهج”، ويتحدث عن ملفات فساد كان قد فجّرها. لوهلة، قد يبدو ذلك مقنعًا، لولا أن الوقائع المعروضة تتجاوز بكثير حدود التصفية السياسية أو الانتقام، وتمس أسس النزاهة التي يُفترض أن تشكل العمود الفقري لأي نشاط حقوقي.
هل ننتظر إذًا أن يتم القضاء على هذا النموذج الذي يحتمي بشعارات كبرى لتبرير ممارسات صغرى؟ أم أن الأمور ستنتهي بتسويات في الظل تُكرّس نفس المعضلة: الإفلات من العقاب؟
ليست هذه القضية مجرد خلاف بين جمعيتين، بل اختبار حقيقي لمصداقية الخطاب الحقوقي في المغرب، واختبار أكبر لمؤسساتنا القضائية. فبين الادعاء بمحاربة الفساد، والانغماس في منطق الريع واستغلال النفوذ، خيط رفيع لا يمكن تجاوزه إلا بتحقيق نزيه، مستقل، وشجاع.
لقد سئم الناس من شعارات مُفرغة من محتواها، ومن منابر تُدار بالمصالح لا بالمبادئ. وإن كانت هذه الاتهامات صحيحة، فليكن العقاب حاسمًا، وإن كانت باطلة، فليُرفع الظلم… ففي كلتا الحالتين، لا بد أن يُقال للناس: من يحميهم حقًا، ومن ينهب ثقتهم باسم الدفاع عنهم؟