ادريس الأندلسي
تسطر الصهيونية أبشع و أسوأ صور القرن الواحد و العشرين و أكثرها همجية و أكبرها هتكا لكل القيم الإنسانية و الحضارية. تلعب أدوارها القذرة أمام العالم و برعاية غربية معجونة بالروح الإستعمارية. التقتيل تجاوز الشيوخ إلى النساء و الأطفال الرضع بل وصل إلى الخدج كذلك. و تواصل قتل كل هؤلاء ليستهدف الأطباء و الممرضين و سائقي سيارات الإسعاف و عمال الإغاثة من مختلف الجنسيات بما فيها الجنسية الأمريكية. هذه الأخيرة أصبحت أكبر مستعمرة صهيونية في التاريخ تليها ألمانيا و فرنسا و إنجلترا و دولا أخرى استشرى في مؤسساتها اللوبي اليهودي الصهيوني . كلاب الصهيونية تحصنوا و ابتلعوا ” إعلام الغرب” و سيطروا على القرار الإقتصادي و المالي. الصهيوني، المتفاخر بما يعتبره تفوقا على كافة أجناس البشر، يقتل الحرية و يبيح لنفسه سفك الدماء و عبده الغربي يهدر دماء حرية التعبير، و يكفر كل من قال أو كتب كلمة حق في وسائل الإعلام و التواصل. التكفير في هذا الظلام الغربي الذي ألقى بكل حقوق الإنسان في سلة مهملاته، و أستمر في تبجحه الخطابي يستحق الكثير من التمعن في أوجه نفاقه الحقوقي. نعم هناك أصوات حرة تعبر، من داخل الكيان الصهيوني، عن حجم الجريمة العنصرية. و هناك حرج يكبر داخل مراكز القرار في دول الغرب الموالي للمجزرة الصهيونية في غزة . و هناك رأي عام و قوى سياسية شرعت في تحطيم صنم كذبة ” معاداة السامية ” و دفعت بالمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب للقول أن الصهيونية خسرت حرب التواصل و الإعلام عالميا.
بدأ الحرج يتسلل إلى الخطاب و يتخذ شكل تهديدات بوقف تصدير الأسلحة للصهاينة. بدأت بعض الألسنة تتحرر و تفضح خيانة الغرب الإستعماري للقيم الإنسانية. قتلت إسرائيل مجموعة من العمال الدوليين في مجال الإغاثة دون شفقة و أقرت بكثير من الخبث أن استهدافهم كان خطأ. تبين أن ثلاثة من البريطانيين المغتالين ينتمون إلى القوات الخاصة و لم يكن دورهم تقديم المعونة الإنسانية بل البحث عن معلومات تخص المحتجزين لدى حماس. و تزداد مساحات الفضيحة الإسرائيلية اتساعا وسط الرأي العام العالمي.
و رغم كل هذا يتواصل مسلسل الاستسلام الرسمي العربي أمام وضع حرك شعوب العالم و قضاة محكمة العدل الدولية و الكثير من المؤسسات الإنسانية و الحقوقية. صحيح أن صورة إسرائيل، التي صنعتها الصهيونية بدعم غربي أعمى بعد الحرب العالمية الثانية، تضررت كثيرا. صحيح أن الإسرائيلين الذين لديهم أكثر من جواز سفر و أكثر من جنسية أصبحوا، و هذه عادتهم، أكثر إستعدادا لمغادرة أرض ليست أرضهم و الاحتماء بدول الغرب التي صنعت عربدتهم الصهيونية. و لكن الصحيح بالمطلق أن النضال المسلح هو الحل الوحيد و الممكن للحصول على حق الشعب الفلسطيني. قبل أكثر من قرن رسم المستعمر البريطاني مشروعا للتحضير لما هو عليه العالم ” العربي ” من عجز على كل المستويات . من ” سايكس بيكو ” إلى وعد بلفور تلاعبت قوى الإستعمار بالتاريخ و الجغرافيا وبالسياسة و بالحقوق و بالموارد الطبيعية. تصارعت الأنظمة العربية في ما بينها بإسم القومية و الشيوعية و الدين و المذاهب و أصبحت شعارات الوحدة أسطوانة مشروخة مع توالى الانكسارات. صحيح أن الشعوب ظلت، رغم الحصار السياسي و الايديولوجي و القمع السياسي ، تحمل الكثير من التعاطف و التضامن مع الشعب الفلسطيني، لكن التعبير عن الشعور يظل غير ذي أثر على واقع العنف العنصري الإسرائيلي و جرائم الحرب و الابادة التي تقترفها العصابات الصهيونية بدعم أمريكي و أوروبي. و سيظل الممكن أمام هذا الواقع هو تعميق كره الشعوب العربية و الإسلامية و أغلبية شعوب العالم للصهيونية و تزايد رفض كل علاقة للتطبيع معها. حرب الإبادة في غزة هي بداية مرحلة جديدة سوف يتولد عنها واقع جديد يسيطر عليه العنف و يستع مداه جغرافيا مع أضرار كبيرة على الإقتصاد العالمي. بدأ هذا الاتساع بتقليص حركة التجارة عبر البحر الأحمر و من الممكن جدا أن تتأثر هذه الحركة في شرق البحر الأبيض المتوسط و في مياه الخليج. إنها مجرد بداية أزمة تزيد في حدتها المواعيد الانتخابية الأمريكية و الأوروبية و محاولات الخروج من أزمات مالية و اقتصادية متتالية منذ 2008.