كلما حل يوم الفاتح من أبريل إلا وأبدأ النبش في ذاكرتي على أقوى لحظات “الزعت” عشتها في حياتي حتى استقر اليوم تفكيري على أحد أباطرة “الزعت” المستملح الذي نقش جزءا من بداية مراهقتنا نحن أبناء حي سيدي اعمارة والذي كنا نستدرجه في الكلام بتعظيمه وتفخيمه والإفراط المشفوع بالغلو والنفاق في استعراض مغامراته وقوته الجسدية ومعاركه وإن كانت كذبا فهو يصدقها ويردف عليها أساطيره وخوارقه ومغامراته الكاذبة أمام قهقهات ضحكنا العالية المكشوفة التي كنا لا نستطيع التحكم في كتمانها ، وكان كلما زاد ضحكنا العالي والمبرح كلما استرسل في الكذب.
كان السي حسن “السيكليس” رحمه الله ، نحيف الجسم بشوش الوجه جاحظ العينين كالبوم ذو أنف حاد كمنقار نسر كثير تدخين الكيف ودائما يرتدي “المايوهات” ولو في برد الشتاء القارص ، وكلما تحلقنا حوله وهو يصلح دراجة نارية أو عادية إلا ويقوم باستعراض أو دعونا نقول محاولة إظهار لنا عنوة عضلاته النحيفة جدا وهو يحاول تركيب عجلة أو ما شابه ذلك ويسرق نظراته لنا إن كنا نشاهد القطع اللحمية النحيفة والرخوة جدا والملتفة حول كوعيه تتخللها عروق خضراء تعطي الإنطباع بأن صاحبنا قد قرب أجله .
وقد حدث ان سرد علينا ذات يوم “زعتة” صاروخ أرض جو حينما بدأت زخات مطرية تتساقط وولجنا محله لتفادي بلل ملابسنا ؛ وما كان عليه أن شنف أسماعنا بعدما دخن حوالي ثلاتة ( ديال الشقوفة من سبسيه ) وقال : نحن في شبابنا في مثل سنكم كنا لا نخشى الأمطار التي كانت تتهاطل بغزارة وتخلق برك وبحيرات مائية وكنا نصنع قوارب ونبحث عن جامور الكتبية بالعصي والقصب تحت الماء !!!!!!!( يا له من خيال ) .
وقد حدث أن قال لنا ذات مرة أن عصابة اعترضت سبيله وهو آت من منطقة “الويدان “حاملا كيسا كبيرا من “الكيف” وكيف قضى عليها كلها في معركة طاحنة إلا أنه أصيب في رأسه إصابة تركت له حفرة غائرة في وسط رأسه يظهر منها مخه وأردف قائلا بأن أمه كانت تصب له الفحم والفلفل الأحمر على دماغه ليلتإم الجرح ويغلق الثقب ، ولما جاء أبوه مساءا تفقد دماغه من خلال الثقب الذي في رأسه وقال له:(ما كنتيش كامي هير الكيف شام حتى السيليسيون أوشارب لانكول أمسخوط الوالدين شوف مخك كي كحل وعرق التبويقة منفوخ واحمر أوباينة عليه دوخا !!!!)
فما أحوجنا في مثل هذا اليوم من شهر إلى مثل هؤلاء الزعاتين العباقرة .