آخر الأخبار

الملاح مجمع سكني لليهود

محمد السريدي

ارتبط اسم الملاح بالمغرب بالفضاء الذي يقيم به اليهود ، وهو عبارة عن مركب عمراني يتشكل من منازل ومتاجر، أو ورشات/  محترفات، وغالبا ما كان يخصص له مكان يجعله منعزلا عن منازل المسلمين، و يكون قريبا من قصر السلطان، أو الإقامة الأميرية.

تتخذ  المنازل بالملاح شكلا مشابها لدور المسلمين، سواء في هندستها،  أو مواد بنائها، كما يمكن أن يكون عبارة عن حي كبير من أحياء المدينة.

تشير بعض الدراسات إلى أن حي الملَّاح سمي بهذا لأن أول حي يهودي تم بناؤه في المغرب كان بمدينة فاس عاصمة المغرب لعدة قرون، وقد تم بناؤه في منطقة كان يجمع فيها الملح ويخزن تمهيدا لتصديره الى اوربا، ويرجع أصل تسميته بالملاح إلى الدولة المرينية في  ثلاثينيات القرن 15 الميلادي، حيث كانت مادة الملح تُجْمَعُ في موقع عند مدخل مدينة فاس قبل توزيعها فكان ذلك أولَ تَجَمُّعٍ خاصٍّ باليهود؛ ومنذ ذلك الحين تم تعميم مصطلح الملاح لتتداوله الأوساط المسلمة واليهودية كحي محاط بأسوار عالية له في الغالب بابان ويقطنه اليهود.

أصبحت الكلمة بعد ذلك تصف كل تجمع سكاني لليهود في المغرب، ولم  يكن حي الملاح بالمدن العتيقة فقط، بل حتى في القرى الصغيرة والمدن الجبلية.

ظهر أول ملاح بالمغرب في العصر المريني، وكانت فاس من الحواضر الأولى التي احتضنت هذا النوع من الأحياء، بعد تزايد أعداد اليهود الذين هاجروا إليها من الأندلس.

 كان اليهود بالمغرب قبل ظهور الملاحات عيشون بين ظهراني المسلمين، يتقاسمون عهم أحياءهم، وقد كانت دورهم متجاورة عاداتهم وأنشطتهم متشابهة، بحيث يتعذر التمييز بين اليهودي والمسلم، سواء في شكل أو الملبس أو بساطة المعاش، مما جعل بعض الحكام يأمرونهم بوضع شاشية لى رؤوسهم لتمييزهم عن المسلمين. نشطت ظاهرة تجميع اليهود في الملاحات مع الدولتين السعدية والعلوية، في إطار نشر وترسيخ الإحساس بالانتماء الديني الإضعاف العصبية القبلية، مما أسهم في تعميق الفوارق بين المسلمين واليهود.

 وقد اعتبرت رغبة المخزن في حماية أهل الذمة حسب ما تمليه الشريعة الإسلامية من أهم الأسباب التي اقتضت تخصيص ملاح لليهود، كما دفع إلى ذلك أيضا خدمة بعض المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية خاصة على إثر بعض النزاعات التي كانت تحدث بين المسلمين واليهود مع تزايد أعداد هؤلاء الأخيرين بشكل مطرد.

اعتاد سلاطين المغرب تخصيص حي لليهود بجوار قصورهم، لحمايتهم مما قد يتعرضون إليه من تنكيل أو اضطهاد لما اشتهر عليهم من تعاملات مالية مريبة مكنتهم من تجميع ثروات مهمة، كما أن هؤلاء الحكام كانوا يرغبون في خدماتهم في مجالات التجارة والمضاربات المالية وكذلك الاعتماد عليهم في صياغة الذهب و المجوهرات   التي اشتهروا بإتقانها.