آخر الأخبار

العــــدل الـــعـــدل

المبارك الگنوني 

برز اسم الشّيخ علي الطّنطاوي رحمه الله كواحدٍ من أهمّ رموز العمل الإسلامي والدّعوي في القرن العشرين، فقد تميّز الشّيخ علي الطّنطاوي بعلمه الغزير في مجال الأدب والتّاريخ والقانون والعلم الشّرعي، فما هي أبرز المحطّات في حياة الشّيخ علي الطّنطاوي ؟ نشأة الطنطاوي ولد الشّيخ علي الطّنطاوي في سوريا سنة 1909 ميلادي، وقد نشأ في بيت علم فأبوه مصطفى الطّنطاوي ويعتبر من علماء الشّام الأجلاّء حيث كلّف بأمانة الفتوى في دمشق، كما كان أخوال الطّنطاوي كذلك من عائلة الخطيب مشهورين بالعلم والأدب، ومن بينهم خاله محبّ الدّين الخطيب الذي كان متواجداً في مصر وأسّس فيها صحيفتي الزّهراء والفتح التي شارك في تحريرها الشّيخ علي الطّنطاوي.

في هذا المقال المتواضع، لا أروم إعطاء نبذة عن حياة اﻠﺸﻴﺦ ﺍلأﺩﻳﺐ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻄﻨﻄﺎﻭﻱ بل سأروي لكم قصة ﻣﻦ ﻛﺘﺎبه ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ (ﻗﺼﺺ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ) ﻭالتي ﺃﺻﻠﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ 411 ﻣﻦ ﻓﺘﻮﺡ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﻟﻠﺒﻼﺫﺭﻱ ﻃﺒﻌﺔ ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔ 1932ﻡ،وهي حكاية تاريخية واقعية عن”نزاهة العدالة”، وﺍﻟﻘﺎﺿﻲ في القصة ﻫﻮ : ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ.

العنوان أعلاه هكذا مكرر مرتين ليس سهوا،بل للتأكيد على أهمية العدل الذي هو أساس الحكم. سأروي لكم أيها الأعزاء قصّة “ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ” ﺳُﻤﻊ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺮّ ﺍﻟﺘﺎﺭﺑﺦ و كان بطلها هو “نزاهة العدالة” .ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ و ﻧﺎﺩى ﺍﻟﻐﻼﻡ على ﺍﻟﻤﺪﻋﻰ ﻋﻠﻴﻪ :” ﻳﺎﻗﺘﻴﺒة ﻫﻜﺬﺍ ﺑﻼ ﻟﻘﺐ “، ﻓﺠﺎﺀ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﻭﺟﻠﺲ ﻫﻮ ﻭﻛﺒﻴﺮ ﺍﻟﻜﻬﻨﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ .. ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ : ﻣﺎ ﺩﻋﻮﺍﻙ ﻳﺎ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪﻱ ؟ ﻗﺎﻝ : “ﺍﺟﺘﺎﺣﻨﺎ هذا القائد المسمى ﻗﺘﻴﺒﺔ ﺑﺠﻴﺸﻪ ، ﻭﻟﻢ ﻳﺪﻋﻨﺎ ﺇﻟﻰ الإ ﺳﻼﻡ ﻭﻳﻤﻬﻠﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻧﺎ “.. .. ﺍﻟﺘﻔﺖ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺇﻟﻰ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﻭﻗﺎﻝ : ﻭﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻳﺎ ﻗائد ؟ ﻗﺎﻝ ﻗﺘﻴﺒﺔ : ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺧﺪﻋﺔ ، ﻭﻫﺬﺍ ﺑﻠﺪ ﻋﻈﻴﻢ ، ﻭﻛﻞ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻘﺎﻭﻣﻮﻥ ﻭﻟﻢ ﻳﺪﺧﻠﻮﺍ للإ ﺳﻼﻡ ﻭﻟﻢ ﻳﻘﺒﻠﻮﺍ ﺑﺎﻟﺠﺰﻳﺔ … .. ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ : ﻳﺎ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﻫﻞ ﺩﻋﻮﺗﻬﻢ ﻟﻺﺳﻼﻡ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﺰﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺮﺏ ؟ ﻗﺎﻝ ﻗﺘﻴﺒﺔ : ﻻ ﺇﻧﻤﺎ ﺑﺎﻏﺘﻨﺎﻫﻢ كما ﺫﻛﺮﺕ ﻟﻚ … ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ : ﺃﺭﺍﻙ ﻗﺪ ﺃﻗﺮﺭﺕ .. ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻗﺮ ﺍﻟﻤﺪﻋﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ . ﻳﺎ ﻗﺘﻴﺒﺔ “ﻣﺎ ﻧﺼﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﺬﻩ الأمة إلا ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﺟﺘﻨﺎﺏ ﺍﻟﻐﺪﺭ ﻭﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﻌﺪﻝ” .. .. ﺛﻢ ﻗﺎﻝ – ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ : – ﻗﻀﻴﻨﺎ ﺑﺈﺧﺮﺍﺝ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺭﺽ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻡ ﻭﺟﻴﻮﺵ ﻭﺭﺟﺎﻝ ﻭﺃﻃﻔﺎﻝ ﻭﻧﺴﺎﺀ ، ﻭﺃﻥ ﺗُﺘﺮﻙ ﺍﻟﺪﻛﺎﻛﻴﻦ ﻭﺍﻟﺪﻭﺭ ، ﻭﺃﻥْ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ ﺃﺣﺪ ، ﻋﻠﻰ ﺃﻥْ ﻳﻨﺬﺭﻫﻢ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ !! ﻟﻢ ﻳﺼﺪّﻕ ﺍﻟﻜﻬﻨﺔ ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪﻭﻩ ﻭﺳﻤﻌﻮﻩ ؛ ﻓﻼ ﺷﻬﻮﺩ ﻭلا ﺃﺩﻟﺔ ، ﻭﻟﻢ ﺗﺪﻡ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﺇلا ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻣﻌﺪﻭﺩﺓ ، ﻭﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮﻭﺍ ﺇلا ﻭﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻐﻼﻡ ﻭﻗﺘﻴﺒﺔ ﻳﻨﺼﺮﻓﻮﻥ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ .. .. ﻭﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺳﻤﻊ ﺃﻫﻞ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ ﺑﺠﻠﺒﺔ ﺗﻌﻠﻮ ﻭﺃﺻﻮﺍﺕ ﺗﺮﺗﻔﻊ ﻭﻏﺒﺎﺭ ﻳﻌﻢّ ﺍﻟﺠﻨﺒﺎﺕ ، ﻭﺭﺍﻳﺎﺕ ﺗﻠﻮﺡ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻐﺒﺎﺭ ، ﻓﺴﺄﻟﻮﺍ .. ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﻢ : ﺇﻥَّ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻗﺪ ﻧُﻔِﺬَ ، ﻭﺃﻥَّ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﻗﺪ ﺍﻧﺴﺤﺐ ، ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪٍ ﺗﻘﺸﻌﺮ ﻣﻨﻪ ﺟﻠﻮﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺷﺎﻫﺪﻭﻩ ﺃﻭ ﺳﻤﻌﻮﺍ ﺑﻪ .. ﻭﻣﺎ ﺇﻥْ ﻏﺮُﺑﺖ ﺷﻤﺲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺇلا ﻭﺍﻟﻜﻼﺏ ﺗﺘﺠﻮﻝ ﺑﻄﺮﻕ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ ﺍﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ، ﻭﺻﻮﺕ ﺑﻜﺎﺀٍ ﻳُﺴﻤﻊ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺑﻴﺖٍ ﻋﻠﻰ ﺧﺮﻭﺝ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻣﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺮﺣﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﺑﻠﺪﻫﻢ . ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﻜﻬﻨﺔ ﻭﺃﻫﻞ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﺃﻛﺜﺮ ، ﺣﺘﻰ ﺧﺮﺟﻮﺍ ﺃﻓﻮﺍﺟﺎً ، ﻭﻛﺒﻴﺮ ﺍﻟﻜﻬﻨﺔ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﻣﻌﺴﻜﺮ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻫﻢ ﻳﺮﺩﺩﻭﻥ ” ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ “.. ﻫﺬﻩ ﻗﺼﺔ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ (ﻗﺼﺺ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ) ﻟﻠﺸﻴﺦ ﺍلأﺩﻳﺐ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻄﻨﻄﺎﻭﻱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ …. ﻭﺃﺻﻠﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ 411 ﻣﻦ ﻓﺘﻮﺡ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﻟﻠﺒﻼﺫﺭﻱ ﻃﺒﻌﺔ ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔ 1932ﻡ وﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﻫﻮ : ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ.
الخـــلاصـــة:” إنَّ العدل أساس الحكم وغايته , ولزاماً على من يجلس في دكة القضاء أن يمتلك زمام المبادرة ويبذل جهده لتمكين الناس من الحصول على حقوقهم المسلوبة , وهو بذلك يعكس صورة الإسلام المتبنّي بالكامل لقضايا الإنسان والحامي لحقوقه والمؤتمن عليها.”