في مشهد يكاد يلخّص أزمة التدبير المحلي بالمغرب، تبرز مقارنة صادمة بين ما جرى إنجازه في العاصمة الرباط، وما يشهده الواقع المتعثر لعدد من المشاريع في مدينة مراكش. ففي ظرف لا يتجاوز تسعة أشهر فقط، تمكّنت السلطات بالعاصمة من بناء الملعب الأولمبي بالرباط، بطاقة استيعابية تفوق 20 ألف متفرج، بتصميم عصري يستجيب لمعايير الفيفا، ليكون جاهزاً لاستقبال مباريات كأس إفريقيا للأمم.
في المقابل، تكشف مراكش – المدينة التي لطالما كانت واجهة سياحية وثقافية – عن واقع مغاير تماماً، حيث يتحول إنجاز المشاريع إلى مسلسلات طويلة، تتآكل فيها الجداول الزمنية، وتتقادم التصاميم قبل أن ترى الأشغال نهايتها.
مشاريع مراكش… سنين من الانتظار
هناك مثالين واضحين :
مشروع المحطة الطرقية الجديدة بمراكش: انطلقت أشغاله سنة 2015، وكان من المفترض أن يشكّل نقلة نوعية في قطاع النقل الحضري والوطني، لكن المشروع لم تنتهي به الأشغال إلا بحلول سنة 2023، أي بعد ثماني سنوات ، رغم أن المشروع لا يضاهي في تعقيده ما يتطلبه ملعب أولمبي متعدد الوظائف.
مشروع “مدينة الفنون” بشارع عبد الكريم الخطابي : انطلقت به الأشغال منذ 2021، وكان يُفترض أن يكون مركزاً ثقافياً متكاملاً يضم قاعات للعرض، ومدرسة للفنون، وفضاءات للإبداع و فندق ، ومع ذلك، لا يزال الورش متوقفاً إلى حدود اليوم، بحسب ما توثقه صور الأقمار الصناعية، دون توضيحات رسمية تُقنع الرأي العام المحلي.
أين يكمن الخلل ؟
هذه الفوارق الفاضحة في وتيرة الإنجاز تطرح أسئلة حارقة:
هل يتعلق الأمر بفرق في كفاءة المنتخبين المحليين بين الرباط ومراكش؟
أم أن المشكل يكمن في طريقة اختيار الشركات نائلة الصفقات وجودة تدبير الأشغال؟
أم أننا أمام مشكل أعمق يرتبط بالعقلية الإدارية والتقنية، وغياب ثقافة الإنجاز السريع والفعال لدى بعض المسؤولين المحليين؟
إن ما يُنجز في الرباط بسرعة ودقة، يُعرّي واقع البطء والارتجال والتأجيل الذي يطبع جزءاً من مشاريع مراكش. ولا يتعلق الأمر فقط بالإمكانيات، بل بوضوح الرؤية، وحزم المتابعة، وكفاءة الإشراف، وهي عناصر يبدو أنها تغيب في مدينة مراكش، التي تحوّلت مشاريعها إلى معارض مفتوحة للهدر الزمني والمؤسساتي.
مغرب بسرعتين !!
هذه المقارنة تطرح بجدية فرضية “مغرب بسرعتين”، حيث تُمنح الأولوية والمدد القصوى لإنجاز مشاريع الرباط الكبرى، بينما تترك مدن أخرى، كمراكش، تواجه وحدها بطء المقاولات، وتراخي المنتخبين، وغموض المسؤوليات.
فهل تتطلب مراكش “صدمات إدارية” تعيد ترتيب أولوياتها؟
وهل يملك والي الجهة أو العمدة الشجاعة الكافية لفتح تحقيقات حقيقية في أسباب هذا التأخر ؟
أم أن المواطن سيبقى شاهداً على مشاريع تتآكلها السنوات، بدل أن تعيد له الثقة في مؤسساته المحلية؟
وفيما يلي صور توثق بطء انجاز مشروعي المحطة الطرقية و مدينة الفنون مع الإشارة إلى التاريخ :