تصور الميثولوجيا المغربية السلطان الكحل كحاكِم أسود مستبد لا يرحم لكن تغيب بقية التفاصيل حول هذه الشخصية بحيث نجد السلطان الكحل مرتبطا في الفولكلور المغربي بالكثير من الخرائب والمآثر التاريخية؛ ففي المغرب الأقصى كما في غرب الجزائر، ثمة الكثير من القصور والحصون والقلاع القديمة وحتى «الخلوات» و»المقامات» التي تحمل اسم السلطان الكحل وتحيل عليه من خلال حكايات أسطورية محلية إما باعتباره سلطانا تارة أو وليّا صالحا تارة أخرى، أو حتى سلطانا على الجن…
المؤرخ خالد شهاب الدين الناصري صاحب “الاستقصا في أخبار دول المغرب الأقصى” يرى بأن السلطان الكحل ليس سوى السلطان أبي الحسن المريني الذي حكم المغرب بين 1331 و1351م، إذ يقول عنه:
«هذا السلطان هو أفخم ملوك بني مرين دولة وأضخمهم ملكا وأبعدهم صيتا وأعظمهم أبهة وأكثرهم آثارا بالمغرب والأندلس. ويعرف عند العامة بالسلطان الأكحل لأن أمه كانت حبشية [كانت تسمى العنبر]. فكان أسمر اللون والعامة تسمي الأسمر والأسود أكحل، وإنما الأكحل في لسان العرب أكحل العينين فقط».
أما في قلعة شالة بالرباط، والتي تحولت إلى مقبرة للسلاطين المرينيين في القرن الميلادي الرابع عشر، فكانت الغرفة الجنائزية التي دُفن فيها السلطان أبو الحسن تحمل اسم «خلوة السلطان لكحل» لدى أهالي عدوتيّ الرباط وسلا، لكن في الوقت ذاته كان الناس يزورون تلك «الخلوة» على أساس أنها «مقام» الولي مولاي يعقوب، سلطان الجن…
تقريبا قول الناصري هو الأرجح بين جمهور المحققين والمؤرخين، لكن فريقا آخر منهم يعتقد بأن السلطان الكحل الغامض والمخيف ليس سوى محمد المتوكل الملقب بالمسلوخ؛ أحد الملوك الثلاثة الذين قُتِلوا في معركة وادي المخازن، وأصل اللقب أنه عقب مصرعه في تلك المعركة عام 1578 حُمل جثمانه إلى مراكش، وتنكيلاً به تم سلخ جلده وحشوه بالتبن، ثم طافت به الجموع الغاضبة في المدينة تشهيرا بخيانته لأنه أدخل جيوشا كافرة [البرتغاليين] إلى أرض المغرب المسلمة…
نهاية السلطان الكحل لا تقل غرابة وغموضا عن حياته الحافلة التي تناقلت سيرتها الأجيال، فقد قيل إنه غرق في شاريج (صهريج) أڭدال بينما كان يمخر عبابه ببعض سفنه، ونسبت إليه نهايات شنيعة أخرى تمتح من عوالم الميثولوجيا والميتافيزيقا، كما ينسب إليه قبر لا يقل غموضا بمقبرة حومة سيدي بنسليمان الجزولي.
أسطورة السلطان الأكحل بين الواقع والخرافة…
كلنا سمعنا ذات يوم عن “السلطان الكحل” ـ بمعنى أسود ـ الذي صال وجال في ربوع المغرب الأقصى ثم مات غريقا في صهريج أڭدال بمراكش في ظروف لا تقل غموضا عن سيرة هذا السلطان الذي تختلف حوله الروايات وتتضارب لدرجة حيرت المؤرخين ومحققي التاريخ بين فرضية وجوده فعلا خلال حقبة تاريخية معينة واحتمالية أن قصته مجرد رمزية وإسقاط يراد بهما إسداء النصح بشكل غير مباشر والحث على الاعتبار على طريقة “ضريب المعاني”، ثم ما لبثت القصة أن تضخمت بمرور الوقت لتتراكم معها أحداث جعلت تمييز الواقع من الخرافة أمرا من الصعوبة بما كان…